للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من بهي زخرفه، الذي كاد يحبس عيني عن الترقي عنه، إلى ما فوقه، إزاره الرائع الدائر بأسِّه حيث دار، وهو متخذ من رفيع المرمر الأبيض المسنون، الزارية صفحاته بالعاج في صدق الملاسة، ونصاعة التلوين، قد خرمت في جثمانه صور البهائم وأطيار وأشجار ذات ثمار، وقد تعلق كثير من تلك التماثيل المصورة بما فيها من أفنان أشجار وأشكال الثمر. وكل صورة منها منفردة عن صاحبتها، متميزة من شكلها، تكاد تقيد البصر عن التعلي إلى ما فوقها. قد فصل هذا الإزار عما فوقه كتاب نقش عريض التقدير، مخرم محفور، دائر بالمجلس الجليل من داخله، مرقوم كله بأشعار حسان، قد تخيرت في أماديح مخترعه المأمون. وفوق هذا الكتاب الفاصل في هذا المجلس، بحور منتظمة من الزجاج الملون الملبس بالذهب الإبريز، وقد أجريت فيه أشكال حيوان وأطيار، وصور أنعام وأشجار، يذهل الألباب ويقيد الأبصار. وأرض هذه البحار مدحوة من أوراق الذهب الإبريز، مصورة بأمثال تلك التصاوير من الحيوان والأشجار بأتقن تصوير، وأبدع تقدير ".

ثم قال: " ولهذه الدار بحيرتان، قد نصت على أركانهما صور أسود مصنوعة من الذهب الإبريز، أحكم صياغة تتخيل لمتأملها، كالحة الوجوه، فاغرة الشدوق، ينساب من أفواهها نحو البحيرتين الماء، هوناً كرشيش القطر أو سحالة اللجين. وقد وضع في قعر كل بحيرة منها حوض رخام يسمى المذبح، محفور من رفيع المرمر، كبير الجرم، غريب الشكل، بديع النقش، قد أبرزت في جنباته، صور حيوان وأطيار وأشجار ... ".

وذكر ابن بدرون أن المأمون يحيى بن ذى النون صاحب طليطلة، بنى بها قصراً تأنق في بنائه، وأنفق فيه مالا كثيراً، وصنع فيه بحيرة، وبنى في وسطها قبة، وسيق الماء إلى رأس القبة على تدبير أحكمه المهندسون، فكان الماء ينزل على القبة حواليها محيطاً بها، متصلا بعضه ببعض، فكانت القبة في غلالة من ماء سكب لا يفتر، والمأمون قاعد فيها لا يمسه من الماء شىء، ولو شاء أن يوقد فيها الشمع لفعل (١).


(١) نقله نفح الطيب ج ٢ ص ٥٢٣. وراجع " سراج الملوك " للطرطوشي (القاهرة) ص ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>