للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل إلينا ابن حيان أيضاً، عن ابن جابر أوصاف ذلك الحفل الباهر الذي أقامه المأمون، احتفالا بختان حفيده يحيى، الذي تولى الحكم فيما بعد باسم القادر، وفيه من صور البذخ والإغداق والسعة ما ينم عن الغنى الطائل، الذي حققه بنو ذو النون، واتسم به بلاطهم. بيد أن المأمون كان بالرغم من ذلك ينسب إلى التقتير والشح، وكان قليل من الشعراء يقصدون إليه للمديح " لقلة نائله، وتفاهة طائله " على حد قول ابن بسام (١).

والواقع أنه لم يكن ببلاط بني ذى النون للشعر والأدب دولة زاهرة، كما كان الشأن في إشبيلية وألمرية وبطليوس. بيد أننا نجد مع ذلك أكابر شعراء العصر وعلمائه يعيشون في ظل المأمون، وكان من هؤلاء شاعره ابن أرفع رأس، صاحب الموشحات المشهورة، والعلامة الرياضي ابن سعيد مؤلف تاريخ العلوم المسمى "طبقات الأمم"، وكان يلقي دروسه في المسجد الجامع، والعلامة النباتي ابن بصّال الطليطلي.

وقد رأينا فيما تقدم كيف ينوه ابن حيان أيضاً، بما جبل عليه مؤسس دولة بني ذى النون اسماعيل، من البخل والتقتير، ومع ذلك فإنه مما يلفت النظر حقاً، أن ابن حيان لم يجد من يهدي إليه مؤلفه التاريخي الضخم، سوى المأمون بن ذى النون، إذ يقول لنا في مقدمته إنه كان بعد تأليفه ينوي الاستئثار به لنفسه، وأن يخبئه لولده ضناً بفوائده الجمة على من تنكب إخماده به إلى ذمه ومنقصته، ثم يقول: " إلى أن رأيت زفافه إلى ذى خطبة سنية، أتتني على بعد الدار، أكرم خاطب، وأسنى ذى همة، الأمير المؤثل الإمارة، المأمون ذى المجدين، الكريم الطرفين يحيى بن ذى النون " (٢).

- ٢ -

وخلف المأمون حفيده يحيى بن ذى النون الملقب بالقادر. ذلك أن هشاماً ولد المأمون، توفي قبل وفاته أو أنه قد حكم بضعة أشهر فقط ثم توفي (٣). وكان القادر


(١) راجع ما نقله ابن بسام في الذخيرة عن ابن حيان، في أوصاف الحفلات والقصور المأمونية، القسم الرابع المجلد الأول ص ٩٩ - ١٠٤ و ١١٤.
(٢) الذخيرة القسم الأول المجلد الثاني ص ٨٨.
(٣) راجع ابن خلدون ج ٤ ص ١٦١، وأعمال الأعلام ص ١٧١. وكذلك: P.y Vives: Los Reyes de Taifas (Cit.Cronica General p. ٥٤,nota)

<<  <  ج: ص:  >  >>