للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتى حدثاً، قليل الخبرة والتجارب قد ربي في أحجار النساء، ونشأ بين الخصيان والغانيات، فغلب على أمره العبيد والموالي. وكان يحكم مملكة عظيمة ولكن مفككة. وكان المأمون قد قسم الأعمال بين وزيريه الأثيرين، وهما ابن الفرج والفقيه أبو بكر بن الحديدي، وكان الأول يختص بتدبير الأجناد، والنظر في طبقات القواد، والشئون السلطانية، والأعمال الديوانية، ويختص الثاني بالنظر في الشئون المالية وشئون الرعية، وإبداء الرأي والمشورة. وأوصى المأمون قبل وفاته حفيده، بأنه متى اضطلع بالحكم، أن يعتمد على عون ابن الحديدي ونصحه، وأن يأخذ رأيه في كل أمر، واتخذ العهود الوثيقة على ابن الحديدي، أن يخلص النصح لحفيده، وأن يشد أزره بكل ما وسع. بيد أنه لم يمض سوى قليل، حتى بدأ نفر من خاصة القادر يسعون لديه في حق ابن الحديدي، ويوغرون صدره عليه، ويقنعونه بأنه لا يمكن أن يحكم بصورة حقيقية، حتى يتخلص من نير ابن الحديدي وطغيانه؛ وكان المأمون قد قبض من قبل بإيعاز ابن الحديدي على جماعة من أعيان طليطلة، واعتقلهم بالمعتقل خشية انتقاضهم فرأى القادر بعد أن استقرت لديه فكرة التخلص من ابن الحديدي، أن يستظهر بهم عليه، فأطلقهم واستدعاهم إلى مجلسه، فلما حضر ابن الحديدي ورآهم، استشعر الخطر، وحاول أن يلوذ بحماية القادر، فغادر القادر المكان، وفتك الحضور بابن الحديدي، ونهبت دوره، وكان ذلك في أوائل المحرم سنة ٤٦٨ هـ (١٠٧٦ م).

ولم يلبث القادر أن أدرك سقطته؛ وأخذ يجني ثمار جريمته. فقد وهم أنه تخلص من نير ابن الحديدي، ولكنه وقع في براثن تلك الطغمة التي آزرته في الجريمة، وبدأ أولئك الأعيان الحاقدون، خصوم جده القدماء، يحيكون له الدسائس، ويضعون الصعاب في طريقه، ويثيرون الشعب ضده، حتى ضعف سلطانه، وبدأت أعراض الثورة تبدو في النواحي. وكان ابن هود صاحب سرقسطة، يرهقه بمطالبه وغاراته، ويستعين ضده بالجند النصارى، حتى انتهى بأن انتزع منه مدينة شنتبرية. ومن جهة أخرى فقد ثار أبو بكر بن عبد العزيز ببلنسية وخلع طاعة بني ذى النون، ونادى بنفسه أميراً مستقلا، فداخله ابن هود وخطب إليه ابنته أملا في أن يستطيع بذلك التغلب على بلنسية. وكادت مدينة

<<  <  ج: ص:  >  >>