للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣٠ ديسمبر ١٠٦٦ م). ففي تلك الليلة اجتمع يوسف بن نغرالة بالقصبة على الشراب مع طائفة من صحبه من الضالعين معه من عبيد باديس وخاصته. والظاهر أن مشروعه لاستدعاء ابن صمادح إلى غرناطة كان قد نضج، وأن ابن صمادح كان يكمن مع نفر من صحبه في مكان قريب من المدينة، ينتظر النذير باستدعائه. وكان ثمة في نفس الوقت جماعة من صنهاجة، ممن يرتابون في مشاريع يوسف ونياته، وينقمون على أميرهم تهاونه وتخاذله، يرقبون حركات اليهودي وسكناته.

فحدث والمتآمرون في مجلسهم، أن وقعت مشادة بين عبد من الحضور، وبين حاشية اليهودي، فانطلق العبد إلى خارج القصبة، وهو يصيح: لقد غدر اليهودي ودخل ابن صمادح البلدة. وفي الحال هرع الناس وهم يتصايحون، وفي مقدمتهم رهط صنهاجة المناوئين لليهودي، واقتحموا القصبة، فاستغاث يوسف لفوره بباديس، وحاول الأمير عبثاً أن يهدىء الهاجمين، فهرب يوسف إلى داخل القصر، ومن ورائه مطاردوه، حتى عثروا به في بعض خزائن الفحم وقد تنكر وصبغ وجهه بالسواد فعرفوه وقتلوه، وأخذوه وصلبوه على باب غرناطة.

وكان الجند والمدينة بأسرها، قد ماجت عندئذ، وتخاطف الناس السلاح، وهجموا على بيوت اليهود في كل مكان، وأمعنوا فيهم تقتيلا وتعذيباً، ونهبوا دار يوسف، وكانت غاصة بالنفائس والذخائر، ووجدت له فيما وجد خزانة جليلة من كتب العلوم الإسلامية، ونهبوا سائر دور اليهود وحوانيتهم، وطاردوهم وفتكوا بهم في كل مكان، واستولوا من أموالهم على مقادير هائلة. وهلك من اليهود أكثر من ثلاثة آلاف أو أكثر من أربعة آلاف على قول آخر، في تلك المذبحة التي يصفها ابن بسام بأنها، " ملحمة من ملاحم بني اسرائيل، باءوا بذلها، وطال عهدهم بمثلها " وعاد ابن صمادح أدراجه بعد أن انهار مشروعه (١).

قال ابن الخطيب: " وقبره اليوم (أي قبر يوسف) وقبر أبيه يعرف أصلا من اليهود، ينقلونه بتواتر عندهم أمام باب إلبيرة، على غلوة يعترض الطريق،


(١) راجع أخبار هذه المذبحة في التبيان ص ٥٤، وفي الذخيرة، القسم الأول المجلد الثاني ص ٢٧١ و ٢٧٢، وابن الخطيب في الإحاطة ج ١ ص ٤٤٧ و ٤٤٨، وفي أعمال الأعلام ص ٢٣٣، والييان المغرب ج ٣ ص ٢٦٦ و ٢٧٥ و ٢٧٦ وقد اتبعنا ما ورد من التفاصيل في التبيان والذخيرة.
وجاء في المصادر الأخرى أن اجتماع ابن نغرالة في أصحابه كان في داره، وأنه هوجم وقتل بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>