للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومكانه من الترفه والترف، والظرف والأدب، معروف " (١).

- ٤ -

وأفاق باديس بعد هذا الحادث من خموله وتهاونه، ونهض لاسترداد وادي آش من يد ابن صمادح، فسار إليها في قواته، واستنصر بالمأمون بن ذي النون صاحب طليطلة، فوافاه في بعض قواته على مقربة منها. وضرب باديس الحصار حول وادي آش، وشدد في إرهاقها، وكان بها فضلا عن الحامية، بعض وزراء ابن صمادح وأكابر دولته، ولما اشتد الضيق بالمحصورين بعث زعماؤهم إلى المأمون يرجونه أن يتوسط لهم لدى باديس في تسليم المدينة، والخروج بالأمان، ففعل وأخلى جند ابن صمادح المدينة، وسلمت إلى باديس، واقتطع المأمون من باديس مدينة بسطة ثمناً لمؤازرته، وبعث ابن صمادح إلى باديس يستسمحه ويعتذر عن تصرفه، ثم وافاه إلى غرناطة، وعاد الوئام بين الرجلين (٢).

وكانت مدينة جيان قد خرجت عن الطاعة، وكان قد لجأ إليها ماكْسَن الابن الأصغر لباديس حينما سخط عليه أبوه ونفاه من غرناطة، لارتيابه في ولائه وتوجسه من مشاريعه (٣). فنزل في جيان في كنف حاكمها مسكن بن حبوس، واستبد مسكن بحكم المدينة، ولم يجد ماكسن سبيلا إلى منافسته، وقنع بالسلامة والدعة، وأخيراً تمكن باديس من إغراء الحامية بالمال والوعود، فثارت على مسكن وماكسن معاً، ونادت بالطاعة لباديس، ففر كلاهما من المدينة ناجياً بنفسه، وقصد ماكسن إلى طليطلة، حيث لجأ إلى ابن ذى النون وخدم في جيشه، وعادت جيان بذلك إلى سلطان باديس.

وكان باديس بعد مقتل وزيره ابن نغرالة، قد استوزر الناية، فعلا سلطانه بسرعة، وانتهى إلى الاستئثار بالأمور على نحو ما كان ابن نغرالة. وقدّم الناية بني برزال، وأخر صنهاجة وأهلهم، فسخطوا عليه، وأخذوا يترقبون الفرص لإهلاكه. وكان من مشاريع الناية أن يفتتح مدينة بياسة القريبة من جيان، وكانت عندئذ من أملاك إقبال الدولة علي بن مجاهد العامري، ووافق باديس على مشروع


(١) الإحاطة ج ١ ص ٤٤٨، وباب إلبيرة ما يزال إلى اليوم قائماً بمدينة غرناطة.
(٢) التبيان ص ٥٥ - ٥٧.
(٣) التبيان ص ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>