للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزيره كارهاً، وانتهى الناية بالاستيلاء على بياسة بعد جهود ونفقات طائلة، وازدادت بذلك مكانته لدى باديس توطداً. وهنا شعر وزراء الدولة، وحكام المدن، أن سلطان الناية يكاد يحجب سلطان باديس ذاته. وخشوا عاقبة تمكنه، وأذاعوا أنه طامع في الرياسة بالائتمار مع بني برزال، ودبروا مؤامرة لقتله والتخلص منه، واتفق على أن يقوم واصل حاكم وادي آش وهو صديق الناية وموضع ثقته بتنفيذ الجريمة، ووعدوه بالوزارة. ولم يمض سوى قليل، حتى وفد الناية على وادي آش لتحقيق بعض الأمور السلطانية، ونزل عند واصل، فانتهز واصل الفرصة السانحة. وقتل ضيفه بالليل وهو سكران. وطار الخبر إلى غرناطة، فانزعج باديس، وأوضح له رجال الدولة أن الجريمة تمت لخيره، وإنقاذه من استبداد وزيره. فتظاهر بالاقتناع مرغماً، وعهد إلى واصل بمنصب قائد الفرسان.

واستطال حكم باديس بضعة أعوام أخرى، وتوفي في العشرين من شوال سنة ٤٦٥ هـ (يونيه ١٠٧٣ م) (١) بعد حكم دام سبعاً وثلاثين سنة.

وكان باديس بن حبوس أعظم ملوك البربر في عصر الطوائف وأقواهم جانباً، وكانت مملكته من أكبر ممالك الطوائف رقعة، إذ كانت تمتد من بسطة شرقاً حتى إستجة ورندة غرباً، وبياسة وجيان شمالا حتى البحر جنوباً. وباديس هو الذي مصّر مدينة غرناطة، وغدت منذ عهده من أهم قواعد الأندلس الجنوبية، وأنشأ قصبة غرناطة فوق أنقاض قلعتها القديمة، وسميت باسمها القديم " القلعة الحمراء " وهو الاسم الذي خلد على كر العصور، وغدا فيما بعد علماً على حمراء غرناطة، وأقام داخل القصبة قصره ومسجده الذي دفن فيه، وأنشأ سوراً ضخماً حول الربوة التي تقع عليها القصبة (٢). وأنشأ حسبما قدمنا قصبة مالقة المنيعة، التي ما زالت آثارها باقية إلى اليوم، وأنشأ له جيشاً قوياً مرابطاً من قومه صنهاجة وغيرهم، وبذل له المال الوفير، ووطد الدولة، ونظم مراتبها وعمالاتها. بيد أن بلاطه لم يسطع كما سطعت قصور ملوك الطوائف الأخرى، ولم يسطع بالأخص، كما سطعت دولة بني ذى النون البربرية في الشمال، ولم يجتمع حوله


(١) الإحاطة ج ١ ص ٤٥٠. وفي ابن خلدون أنه توفي سنة ٤٦٧ هـ (ج ٤ ص ١٦١).
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ١٨٠. وراجع كتابي " نهاية الأندلس " الطبعة الثالثة ص ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>