للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشاطىء الأندلس، وكان قد ركبه من ثغر دانية، في مركب تأنق في صنعه واستجادة آلته وعدته، مع نفر عديد من صحبه، فغرق معظمهم، ولم ينج منهم سوى القليل، وذلك في جمادى الأولى سنة ٤١٩ هـ (١) وبقي ابنه معن في كنف صهره عبد العزيز، وقد ولاه وزارته، فلما قتل زهير العامري، واستولى عبد العزيز على ألمرية، استخلف عليها وزيره معن. قال ابن حيان: " فكان شر خليفة استخلف. لم يكد يواري وجهه عبد العزيز عنه، حتى خان الأمانة، وطرده من الإمارة، ونصب له الحرب، فغرّب في اللؤم ما شاء. وتنكب ابن أبي عامر التوفيق لاسترعائه الذئب الأزل على ثلته، ومسترعي الذئب أظلم، وكان من العجب أن تملاها ابن صمادح، وخلفها ميراثاً في عقبه " (٢)، وانتهى الأمر باستيلاء معن على ألمرية والدعاء بها لنفسه حسبما تقدم. واستمر معن في حكم ألمرية وأعمالها زهاء عشرة أعوام. وكانت بينه وبين باديس صاحب غرناطة علائق مودة وصداقة. وتوفي سنة ٤٤٣ هـ (١٠٥١ م) بعد أن وطد رياسته، ومهد الملك لعقبه.

فخلفه ولده أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح بإجماع القرابة ورجال الدولة، ولما يستكمل الثامنة عشرة من عمره؛ وكان أبوه قد أخذ له البيعة بولاية عهده، بعد أن عرضها على أخيه صمادح أبي عتبة، فاعتذر عن قبولها، واتخذ من الألقاب الملوكية لقبين، هما المعتصم بالله والواثق بفضل الله، والرشيد على قول آخر، وتوطدت في بداية حكمه علائق المودة بينه وبين باديس صاحب غرناطة، على ما كانت بينه وبين أبيه (٣). ولكن الخلاف لبث بالعكس مستحكماً بينه وبين خاله عبد العزيز بن أبي عامر صاحب بلنسية، وكان باديس يعمل على إذكاء هذا الخلاف وتقويته كلما بدت بوادره. ذلك أنه كان باعتباره زعيم البربر يكره الجبهة الأندلسية، ويحاول دائماً أن يعمل على إضعافها، وكان من أبرز الحوادث المتصلة بهذا الخلاف ثورة ابن شبيب صاحب لورقة على المعتصم وذلك في سنة ٤٤٣ هـ (١٠٥١ م). وكان من الواضح أن هذه الثورة لم تكن بعيدة عن وحي


(١) ابن عبد الملك المراكشي في "الذيل والتكملة" - ج ١ من مخطوط مكتبة باريس الوطنية.
(٢) الذخيرة القسم الأول من المجلد الثاني ص ٢٣٧، والبيان المغرب ج ٣ ص ١٧٤ وأعمال الأعلام ص ١٩٠.
(٣) كتاب التبيان ص ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>