دانية ومن يحالفه من الفتيان أصحاب المدن القريبة. كل ذلك حمل المأمون على أن يضع مشروعه للاستيلاء على بلنسية.
وقد سبق أن ذكرنا في أخبار مملكة طليطلة، خلاصة الروايتين المتعلقتين باستيلاء المأمون على بلنسية، وأولاهما أن المأمون سار إلى بلنسية في بعض قواته بحجة زيارة صهره، وأنه خلال إقامته بالقصر، دبر كميناً لصهره، وقبض عليه، وأرسله إلى شنتبرية، وسيطر بذلك على بلنسية. والثانية أنه زحف على بلنسية بمعاونة الجند القشتاليين، ودهم المدينة وهي في غفلة، فاقتحمها، وأسر صهره عبد الملك وآله، وهم بقتله لولا أن شفعت فيه زوجته ابنة المأمون. فبعث به إلى إحدى قلاعه في قونقة، أو إقليش، واعتقله هناك (١).
ونود أن نعرض الوقائع مفصلة وعلى ضوء الروايات القشتالية التي تقدمها إلينا بصورة أخرى.
ذلك أن فرناندو الأول ملك قشتالة خرج بقواته في أوائل سنة ١٠٦٥ م، (٤٥٧ هـ) متجهة صوب أراضي مملكة سرقسطة لمعاقبة أميرها المقتدر بن هود، لتخلفه عن دفع الجزية التي كان متعهداً بأدائها، ولأنه من جهة أخرى قد وقع الاعتداء على النصارى في سرقسطة وغيرها من بلاد مملكته، وقتلت منهم جموع غفيرة، وعاث فرناندو في أراضي مملكة سرقسطة الجنوبية، وخربها بشدة وأحرق المزارع والقرى، واجتاح على هذا النحو سائر الرقاع والوديان الواقعة خارج الحصون والقلاع المسورة، وأشرف في غزوته المخربة على ظاهر بلنسية في الربيع، وضرب القشتاليون الحصار حول المدينة، وروع البلنسيون، وروع ملكهم الضعيف عبد الملك داخل الأسوار، وتأهبوا للدفاع عن مدينتهم.
ولما رأى القشتاليون مناعة الأسوار، وأهبة أهل المدينة لجأوا إلى الحيلة، فتركوا الحصار، وتظاهروا بالارتداد نحو الشمال إلى بلدة تسمى "بطرنة"، واعتقد أهل بلنسية أن القشتاليين قد ارتدوا عن مدينتهم خائبين، فخرجوا وعلى رأسهم أميرهم عبد الملك، لمطاردة الفارين في ثياب فخمة وكأنهم في عيد، وعندئذ فاجأهم القشتاليون وهاجموهم بشدة، وأمعنوا فيهم قتلا وأسراً، فارتدوا إلى مدينتهم والقتل يعمل فيهم، واستطاع عبد الملك أن ينجو بحياته، وعاد القشتاليون إلى محاصرة المدينة.