للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تلك الأثناء كان المأمون بن ذى النون قد هرع بقواته لإنجاد صهره والدفاع عن المدينة المحصورة، وذلك بالرغم من أنه كان مقراً بسيادة فرناندو، ويؤدي له الجزية، وكان فرناندو قد شعر وهو تحت أسوار المدينة بالمرض يدهمه، فآثر الارتداد بقواته إلى ليون. وهناك توفي بعد قليل في ديسمبر سنة ١٠٦٥ م.

وهنا رأى المأمون بن ذى النون أن يحقق مشروعه القديم في الاستيلاء على بلنسية. وكان يدفعه إلى ذلك أسباب عديدة سبق أن أشرنا إليها، فدخلها فاتحاً لا منقذاً، وعزل صهره عبد الملك، ثم قبض عليه وعلى ولده، ونفاهما إلى قلعة إقليش أو قونقة. وفي رواية أنه أشفق عليه، وعينه والياً لقصبة شلبة الواقعة شمال غرب بلنسية، وضمت بلنسية وأعمالها بذلك إلى مملكة طليطلة، وكان ذلك في ْشهر ذي الحجة سنة ٤٥٧ هـ (نوفمبر سنة ١٠٦٥ م) (١).

وعهد المأمون بتدبير شئون بلنسية إلى أبي بكر محمد بن عبد العزيز (ابن رويش) وكان ابن عبد العزيز قد توفي قبل هذه الحوادث بقليل في أوائل سنة ٤٥٦ هـ.

ويقول لنا عنه معاصره المؤرخ ابن حيان " إنه كان على خمول أهله في الجماعة من أرجح كبار الكتاب الطالعين في رمس هذه الفتنة المدلهمة، وذوي السداد من وزراء ملوكنا، ذا حنكة ومعرفة وارتياض وتجربة وهدى وقوام سيرة، إلى ثرى وصيانة ". وفي بعض الروايات أن هذا الوزير النابه توفي منتحراً لما توقعه من سوء العواقب. فخلفه في الوزارة ولده أبو بكر بن عبد العزيز، ولم يمكث في منصبه طويلا حتى سقطت بلنسية في يد المأمون، ويقال إنه غدر بأميره عبد الملك، وعاون المأمون في أخذها، فكافأه المأمون عن خيانته بأن عينه نائباً عنه في حكم ْالمدينة. وكان أبو بكر مثل أبيه عالماً حازماً. فضبط بلنسية، وسار في حكمها سيرة حسنة، واتبع الرفق والعدل، وأجزل العطاء للعمال والجند. وشغل عنه المأمون بمغامراته في سبيل فتح قرطبة، وانتزاعها من يد بني عباد المتغلبين عليها.

واستمر في محاولاته حتى انتهى أخيراً إلى تحقيق مشروعه في الاستيلاء على عاصمة


(١) راجع في تفصيل هذه الحوادث Modesto Lafuente: Historia general de
Espana (Madrid, ١٨٦١) V.II.p. ٣٩٠
و A.P.Ibars: Valencia Arabe, V.I.p. ١٧٨-١٨٠
و R.M.Pidal: La Espana del Cid V.I.p. ١٥١
وكذلك: P.y Vives: Los Reyes de Taifas, p. ٤١

<<  <  ج: ص:  >  >>