للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد العزيز، وكان قد قضى في منصبه تسعة أشهر فقط، وبعثت إلى القادر توافق على مقدمه وتسلمه المدينة. فسار القادر في موكبه إلى بلنسية، ودخلها في مظاهر حافلة، وتسلم القصر من القاضي ابن لبون، ونزل فرسانه في بيوت المدينة، ونزل ألبارهانيس وجنده القشتاليون في ضاحية الرُّصافة على مقربة منها، وكان ذلك في شوال سنة ٤٧٨ هـ (فبراير ١٠٨٦ م) (١).

وهكذا استولى يحيى القادر على بلنسية، وقامت دولة بني النون، مرة أخرى في شرقي الأندلس، بعد أن درست في طليطلة، وقامت على يد ملكها الشريد الخانع - القادر - في مثل الظروف التي كانت عليها في أواخر أيامها بطليطلة، دولة ضعيفة تابعة، تدين بوجودها لملك قشتالة، ولحراب الجند النصارى. وما لبث القادر أن أبدى صولة الضعيف إذا تحكم، ففرض على المدينة حكم طغيان شامل، وتولى القاضي ابن لبون حجابته، وغدا يده اليمنى، وتقرب إليه الأعيان والقضاة بالأموال والهدايا. وثقلت وطأة القشتاليين على المدينة في نفس الوقت، وأرهقوها بمؤنهم ومغارمهم، وفرضت لذلك ضريبة خاصة على سائر الناس، وعاث النصارى في المدينة وضواحيها، فاشتد السخط على القادر، وعلى شيعته القشتاليين، واضطرب حبل النظام والأمن. ومع ذلك فقد مضى القادر في عسفه وطغيانه، فمال على الأعيان والأكابر، يطاردهم بطلب المال سداداً لمطالب القشتاليين، وقبض على بعضهم من أجل ذلك، واعتقل ولدى ابن عبد العزيز وغيرهم، وحشد حوله كثيراً من أوباش الجند المرتزقة يعيثون في المدينة، ويعتدون على الأموال والأنفس، وغدت السيادة الحقيقية على المدينة لألبارهانيس وجنده، وغادر كثير من الأعيان والأكابر، بلنسية فراراً من هذا الطغيان المرهق (٢).

وفي خلال ذلك كانت تجري في جنوب الجزيرة حوادث هامة، فقد عبر المرابطون بقيادة عاهلهم يوسف بن تاشفين إلى الأندلس في ربيع الآخر سنة ٤٧٩ هـ ْ (أغسطس ١٠٨٦ م) غياثاً لأمرائها، وللإسلام، وأخذ ملك قشتالة يجمع الجند من كل ناحية، لرد هذا السيل المنهمر، وغادر ألبارهانيس وجنده بلنسية


(١) الذخيرة - القسم الثالث - المخطوط لوحة ١٨ ب. وراجع R.M.Pidal: ibid ; V.I.p. ٣٠٦ & ٣١٠-٣١٢. وكذلك: P.y Vives: Los Reyes de Taifas, p. ٥٧
(٢) R.M.Pidal: ibid ; V.I.p. ٣١٣-٣١٦

<<  <  ج: ص:  >  >>