للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعاطفة من الحسد إزاء هذا الفارس المظفر، لازمته طول حياته (١)، ومن ثم فقد انتهى إلى إبعاد " السيد " عن بلاطه، وعن سائر أراضيه، وذلك في سنة ١٠٨١ م.

وهنا يبدأ الفصل الروائي حقاً في حياة السيد إلكمبيادور، فيبدو مغامراً يبحث وراء طالعه، ويخرج على كل اعتبار ديني أو قومي، فيؤجر نفسه وصحبه، تارة للأمراء المسلمين وتارة للأمراء النصارى، ويندس إلى كل ثورة تنشب أو حرب تضطرم هنا وهنالك، ويطلب الغنم والسلطان، حيثما استطاع، وبأي الوسائل. وكانت ظروف اسبانيا المسلمة، يومئذ مما يفسح المجال لأطماع، جندي مغامر كالسيد. فهناك الحروب الأهلية المستمرة، وهناك الرغبة المستمرة في الاستعانة بالجند النصارى، وإغداق الأموال عليهم، وقد رأينا في أخبار دول الطوائف، وأخبار ملوكهم، ما يؤيد هذه الحقيقة المؤلمة كل التأييد. وكانت هذه الحروب الإنتحارية تجري يومئذ في سائر أنحاء الأندلس، وكانت في الوقت الذي خرج فيه السيد بعصابته من قشتالة تضطرم بنوع خاص في الإمارات الشمالية، التي استقر فيها بنو هود، فيما بين سرقسطة، وثغور الشاطىء، وفيما بينها وبين بلنسية. فإلى هذا الميدان المضطرم، هبط السيد وجنوده المرتزقة، والتحق أولا بخدمة المقتدر بن هود أمير سرقسطة، وكان المقتدر قد استعان على محاربة أخيه المظفر صاحب لاردة، بجنود من البشكنس والقطلان حتى هزمه أخيراً وأسره، فكان المظفر أسيراً وقت أن حل السيد ببلاط المقتدر. ثم توفي المقتدر بعد قليل سنة ٤٧٤ هـ (١٠٨١ م) بعد أن قسم مملكته بين ولديه، فخص ولده المؤتمن بسرقسطة وأعمالها، وأخاه المنذر بدانية وطرطوشة ولاردة.

ثم وقعت الحرب الأهلية بين الأخوين، فاستعان المنذر بسانشو راميرز ملك أراجون وكونت برشلونة، وحارب السيد إلى جانب المؤتمن، ولد حاميه والمحسن إليه، وانتهى الأمر بهزيمة المنذر، وعاد السيد إلى سرقسطة ظافراً، فاحتفى به أهلها أيما احتفاء، وبالغ المؤتمن في إكرامه وإثابته. وكان المؤتمن يعتز بصداقة السيد ومحالفته، ويعلي من شأنه ويأخذ بنصحه في معظم الأمور، ولا يرى في ذلك غضاضة وانحرافاً، وكان المنذر من جهة أخرى يبغض السيد أشد البغض، ويستعين في محاربته بالأمراء القطلان أصحاب برشلونة. ولما توفي


(١) R.M.Pidal: ibid ; p. ٢٦١,٥٨٠ & ٥٩٠

<<  <  ج: ص:  >  >>