في مقدمته إلى خلفه المأمون البطائحي، وتأثر في كتابته بتفكير فيلسوف العصر، العلامة ابن حزم القرطبي، وتوفي الطرطوشي بالإسكندرية سنة ٥٢٠ هـ (١١٢٦ م).
وقد أوحت ظروف مملكة سرقسطة وأحوالها السياسية والاجتماعية يومئذ، إلى الطرطوشي بكثير من نظرياته الاجتماعية، ومنها نظرية عصبية الدولة، فإن الطرطوشي يرى أن عصبية الدولة أو قوتها الحامية، إنما تقوم " على الجند أهل العطاء المفروض مع الأهلة " أي الجند المرتزقة الذين يتناولون أجورهم كل شهر.
ويعارض ابن خلدون هذه النظرية، ويقول إنها لا تنطبق على الدول في أولها، وإنما تنطبق على الدولة في نهاية عهدها، بعد التمهيد واستقرار الملك، وإستحكام الصبغة لأهله، وأن الطرطوشي قد أدرك الدولة الهودية عند هرمها ورجوعها إلى الاستظهار بالموالي والصنائع، ثم إلى المستخدمين من ورائهم بالأجر على المدافعة، وأدرك دول الطوائف، وذلك عند اختلال الدولة الأموية، وانقراض عصبيتها من العرب، واستبداد كل أمير بقطره، وعاش في ظل المستعين بن هود بسرقسطة، ولم يكن بقي لهم من أمر العصبية شىء لاستيلاء الترف على العرب منذ ثلثمائة من السنين وهلاكهم، ولم ير إلا سلطاناً استبد بالملك عن عشائره، وقد استحكمت له صبغة الاستبداد منذ عهد الدولة، وبقية العصبية، فهو يستعين على أمره بالأجراء من المرتزقة (١). والظاهر أن الطرطوشي قد تأثر تأثراً شديداً بما شهده من اعتماد بني هود في حماية ملكهم على معاونة الجند النصارى، ولاسيما أيام السيد إلكمبيادور، وسعيهم إلى شراء هذه المعونة بالمال أينما استطاعوا، منذ ابتداء دولتهم حتى نهايتها. وقد كان ذلك في نفس الوقت شأن كثير من ملوك الطوائف الآخرين، حسبما ذكرنا في أخبارهم.
وكانت سرقسطة إلى جانب كونها مركزاً للعلوم الرياضية والفلسفية في القرن الحادي عشر الميلادي، كباقي عواصم الطوائف الأخرى، مركزاً لحركة أدبية قوية، وقد نبغ بها في ذلك العصر كثير من الأدباء والشعراء مثل ابن الدباغ، وابن حسداي، وأبي عمر بن القلاس، وغيرهم، ممن ذكرهم صاحب الذخيرة، وأورد لنا الكثير من نظمهم ورسائلهم.
(١) راجع سراج الملوك للطرطوشي (القاهرة ١٩٣٥) ص ٢٢٩ و ٢٣١، ومقدمة ابن خلدون (بولاق) ص ١٣٠ و ١٣١. وكذلك R.M.Pidal: ibid ; p. ٢٨٤ & ٢٨٥