للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«قُلْتُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُهُ عَنْ أَهْلِ الجَزِيرَةِ خَاصَّةً مَحْفُوظَاً بِخِلَافِ حَدِيثِهِ عَنْ غَيرِهِمْ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى سَبْرِ أَحَادِيثِهِ عَنْ غَيرِ الجَزَرِيِّينَ كَعِكْرِمَةَ وَنَافِعٍ» (١).

الجامعُ بينَ هذهِ الأقوالِ أنَّهَا بيَّنتْ أنَّ السَّبرَ إنَّمَا هوَ آليَّةُ جمعِ حديثِ الرَّاوي واختبارِهَا ومقارنَتِهَا بغيرِهَا للتَّوصُّلِ إلى الأغراضِ التي ذُكرتِ فيهَا.

أمَّا تعريفُ السَّبرِ، فلعلَّ أوَّلَ مَنْ عرَّفَ السَّبرَ السَّخاويُّ في شرحِهِ لألفيَّةِ العراقيِّ، حيثُ عَرَّفَ العِرَاقِيُ «ت ٨٠٦ هـ» الاعتبارَ بأنَّهُ السَّبرُ، فقالَ في ألفيَّتِهِ:

الاعتبارُ سبرُكَ الحديثَ هلْ … شاركَ راوٍ غيرَهُ فيما حمَل

فقالَ السَّخَاويُّ (٢) «ت ٩٠٢ هـ» مُفسِّراً قولَ العراقيِّ «سَبْرُكَ»: «اِخْتِيَارُكَ وَنَظَرُكَ الحَدِيثَ مِنَ الدَّوَاوِينِ المُبَوَّبَةِ وَالمُسْنَدَةِ، وَغَيرِهِمَا كَالمَعَاجِمِ وَالمَشْيَخَاتِ وَالفَوَائِدِ، لِتَنْظُرَ هَلْ شَارَكَ رَاوِيَهُ الذِي يُظَنُّ تَفَرُّدُهُ بِهِ رَاوٍ غَيرُهُ … » (٣).

فعرَّفَ السَّبرَ على أنَّهُ الاختيارُ والنَّظرُ في طرقِ الحديثِ مِنَ الكتبِ الحديثيَّةِ المسندةِ، لغرضِ بيانِ تفرُّدِ الرَّاوي أو المرويِّ مِنْ عدمِهِ، وأنَّهُ الآليَّةُ التي يُتوصَّلُ بهَا إلى الاعتبارِ، فجعلَ الاعتبارَ غرضَاً مِنْ أغراضِ السَّبرِ.


(١) شرح علل الترمذي ٢/ ٧٩٣.
(٢) محمد بن عبد الرحمن بن محمد، شمس الدين السخاوي، «٨٣١ هـ-٩٠٢ هـ»، عالم بالحديث والتفسير والأدب من كتبه «الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع»، و «شرح ألفية العراقي»، و «عمدة القارئ والسامع»، وغيرها كثير. انظر شذرات الذهب ٨/ ١٥، وإيضاح المكنون ١/ ٢٧.
(٣) فتح المغيث ١/ ٢٠٧.

<<  <   >  >>