وقدْ أشارَ الدكتور منصورُ الشَّرايريُّ في كتابِهِ «نظريَّةُ الاعتبارِ عندَ المحدِّثينَ» إلى تعريفِ الدكتورِ العزيِّ، ثمَّ قالَ مُعقِّباً: «وَهَذَا الذِي قَالَهُ الدُّكتورُ العِزِّيُّ صَحِيحٌ، إِلَّا أَنَّنِي وَجَدْتُ أَنَّ المُحَدِّثِينَ أَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُونَ السَّبْرَ فِي اسْتِقْصَاءِ جَمِيعِ أَحَادِيثِ الرَّاوِي، ثُمَّ اخْتِبَارِهَا، بِعَرْضِهَا عَلَى أَحَادِيثِ الثِّقَاتِ لِمعرِفَةِ مَا أَصَابَ فِيهِ الرَّاوِي مِمَّا أَخْطَأَ فِيهِ، وَبِالآَتِي الحُكْمَ عَلَيهِ بِمَا يُنَاسِبُ حَالَهُ جَرْحَاً وَتَعْدِيلَاً، فَغَرَضُ السَّبرِ عِنْدَ المُحَدِّثِينَ هُوَ اخْتِبَارُ الرَّاوِي، وَمَعْرِفَةُ مَدَى عَدَالَتِهِ وَضَبْطِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ اخْتِبَارِ أَحَادِيثِهِ وَاحِدَاً وَاحِدَاً» (١).
وما بيَّنهُ فيهِ نظرٌ كبيرٌ، لأنَّ من استقرأَ صنيعَ المحدِّثينَ وجدَ أنَّهمْ استخدمُوا السَّبرَ كمرادفٍ ل «جمعِ الطُّرقِ والتَّتبعِ والاستقراءِ والاستقصاءِ … ثمَّ الاختبارِ»، للأغراضِ التي يُؤدِّي إليهَا مِنْ حكمٍ على الرَّاوي والمرويِّ، وكشفِ العلَّةِ، وإبرازِ الفائدةِ، وبالتَّالي معرفةِ كلِّ نوعٍ مِنْ أنواعِ علومِ الحديثِ المتعلِّقةِ بالمتنِ والإسنادِ.
ومنْ خلالِ ما تقدَّمَ نجدُ أنَّ السَّبرَ هوَ الآليَّةُ المتضمِّنَةُ لجمعِ الطُّرقِ ثمَّ اختبارِهَا ومقارنتِهَا، وهذَا لَا يكونُ فقطْ للحكمِ علَى الرِّجالِ، وإنَّمَا تتعدَّدُ أغراضُهُ بتعدُّدِ صورِهِ …
كمَا إنَّ الاعتبارَ ليسَ قسيمَاً للسَّبرِ، وإنَّمَا السَّبرُ آليَّةٌ للاعتبارِ، بمعنى أنَّ الاعتبارَ غرضٌ مِنْ أغراضِ السَّبرِ كمَا بيَّنَهُ المُحدِّثونَ، من ذلكَ تعريفُهُم للاعتبارِ:
(١) نظرية الاعتبار عند المحدثين ص ٦٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute