٢ - القول بأنه يجوز استثمار أموال الزكاة استحساناً خلافاً للقياس للضرورة أو الحاجة، يناقش بأن الاستدلال بالاستحسان يمكن في حالة وجود قياسين متعارضين فيرجح المجتهد أحدهما لمعنى محدد، كما إذا أوقف إنسان أرضاً على جهة خيرية، كدار لتحفيظ القرآن، ولم ينص في الوقف على حق تبعية المرور للأرض الموقوفة، فحق المرور للأرض الموقوفة يتبع الوقف بدون نص أم لا؟
هنا قياسان: قياس على البيع، فلا يتبع؛ لأن البائع إذا لم ينص في العقد على تبعية حق المرور للمشتري فليس من حق المشتري أن يطالب بحق المرور. وأما إذا قسناه على عقد الإيجار فالإجارة تقتضي تبعية حق المرور للمستأجر. فهل نقيس الوقف على عقد البيع أو على عقد الإجارة؟
المعنى هنا يبرر القياس على عقد الإجارة؛ لأن الوقف ما وقف أصلاً إلا لأجل أن يستوفي الموقوف عليهم العائد، وأن تنوبهم هذه الثمرة المقصودة من الوقف، وبالتالي يكون أشبه بعقد الإجارة، هذا نوع من الاستحسان.
وأيضاً قال الحنفية: الاستحسان هو أن يكون قاعدة عامة في الشريعة، يستثنى منها أمر من الأمور، لكن لا بد من الاستناد إلى دليل شرعي كما في السلم مثلاً؛ فالقواعد الشرعية تمنع جواز السلم، لكن لما جاءت النصوص الشرعية في السنة الشريفة وأباحته، قالوا إن هذا نوع من الاستحسان، وهذا على رأي الحنفية.
إذن الاستحسان لا بد أن يكون مبنياً على دليل، أو على معنى، أو على مبرر شرعي (١). وليس في موضوع استثمار أموال الزكاة قياسان، بل فيه استحسان من البعض يقابله نص من كتاب الله، فهل نقدم النص أم الاستحسان؟ الحق أنه لا استحسان ولا قياس مع النص، فضلاً أن يقدما عليه.
(١) أبحاث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة ص ٩٤ تعليق الدكتور محمد رأفت عثمان.