سمح عهدته- ها هنا- بالأمس (يعنى: عثمان رضى الله عنه) ، وجعل يقول: يأهل المدينة، والله لولا ما عهد إلىّ أمير المؤمنين، ما تركت بها محتلما إلا قتلته.
بايع أهل المدينة لمعاوية، وأرسل «أى: بسر» إلى بنى سلمة، فقال: لا والله، ما لكم عندى من أمان ولا مبايعة، حتى تأتونى ب «جابر بن عبد الله» صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج جابر بن عبد الله، حتى دخل على أم سلمة خفيّا، فقال لها: يا أمّه، إنى قد خشيت على دينى، وهذه بيعة ضلالة، فقالت له: أرى أن تبايع، فقد أمرت ابنى «عمر ابن أبى سلمة» أن يبايع. فخرج جابر بن عبد الله، فبايع بسر بن أبى أرطاة لمعاوية.
وهدم بسر دورا كثيرة بالمدينة، ثم خرج إلى مكة، فخافه أبو موسى الأشعرى، وهو- يومئذ- بمكة، فتنحى عنه. فبلغ ذلك بسرا، فقال: ما كنت لأوذى أبا موسى. ما أعرفنى بحقه وفضله!
مضى بسر إلى اليمن، وعليها- يومئذ- عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب عاملا ل «علىّ بن أبى طالب» . فلما بلغ عبيد الله أن بسرا قد توجّه إليه، هرب إلى علىّ، واستخلف عبد الله بن عبد المدان المرادىّ. وكانت عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان قد ولدت من عبيد الله غلامين من أحسن صبيان الناس «أوضئه، وأنظفه» ، فذبحهما.
وكانت تنشدهما فى الموسم فى كل عام، تقول:
ها من أحسّ بنيّىّ «١» اللّذين هما ... كالدّرّتين تخلّى «٢» عنهما الصّدف