حجر نفسه فى موضع آخر، عن ابن يونس، أنه قال عن اليحصبى: هو هو «١» . وأما الحديث المشار إليه فى الترجمة الثانية «وفيه يروى المترجم له، عن عقبة بن عامر حديث النّذر» ، فقد ورد الحديث بإسناده فى كتاب «ابن عبد الحكم» ، وصرّح بأن راويه عن الصحابى المذكور هو «أبو تميم الجيشانى»«٢» ؛ مما يؤكد- من جديد- صحة اعتبار ابن يونس الشخصين شخصا واحدا.
* ثالثا- أسلوب صياغة التراجم، ومدى تحقق التناسق الداخلى بها:
عرفنا- فيما مضى- تمتع مؤرخنا «ابن يونس» بثقافة لغوية تراثية عريضة. وقد نجح فى أن يوظف هذه المعرفة اللغوية، ويطوّعها لخدمة العرض التاريخى المعبّر الدقيق. خذ- مثلا- استخدام الفعل «ذكر» بالبناء لغير المعلوم فى إحدى التراجم «٣» ؛ ليعبر بدقة عن رأى البعض فى صحبة المترجم له، أما هو، فيميل إلى عدم صحة صحبته. وكذلك تعبيره عن مبلغ علم «أوس بن بشر المعافرى» بقوله: «وكان يوازى عبد الله بن عمرو فى العلم»«٤» . فالتعبير بالفعل «يوازى» دقيق جدا عن الفعل «يساوى» ؛ لأن الحديث كان عن أوس الذي كان يقرأ «التوراة، والإنجيل» ، أى: لديه حصيلة من العلم الأول، واطلاع على كتب أهل الكتاب، وكذلك كان ابن عمرو قبله، لكن أوسا- ولا ريب- دونه فى مقدار علمه، سواء فى هذا المجال، أم فى مجالات أخرى، إلا أنه يوازيه فى اتجاهه متجهه نفسه «فى مطالعة كتب اليهود، والنصارى» . كان هذا على مستوى «الألفاظ» .
وإذا انتقلنا إلى مجال «الجمل» ، ألفينا الطابع الغالب على تراجم كتابيه- خاصة تراجمه القصيرة- هو «طابع القصر، والتركيز الشديد» . ولعل ثقافته الحديثية أكسبته دقة، طبعت أسلوب تراجمه بما وصفناه به. والأمثلة- على ذلك- كثيرة، منها: وصفه الشاعر «الحسين بن عبد السلام المصرى» المعروف ب «الجمل» بقوله:
«وكان الجمل شرها فى الطعام، دنىء النفس، وسخ الثياب، هجّاء ... وكان قد