للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينسبون - على عادتهم - وضع كل علم لشخص بعينه، يعدون واضع التفسير - بمعنى جامعه لا مُدَوِّنه - الإمام مالك بن أنس الأصبحى، إمام دار الهجرة.

وكان التفسير إلى هذا الوقت لم يتخذ له شكلاً منظماً، ولم يُفرد بالتدوين، بل كان يُكتب على أنه باب من أبواب الحديث المختلفة، يجمعون فيه ما رُوِى عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين.

ثم بعد ذلك انفصل التفسير عن الحديث، وأُفرد بتأليف خاص، فكان أول ما عُرف لنا من ذلك، تلك الصحيفة التى رواها علىّ بن أبى طلحة عن ابن عباس.

ثم وُجِد من ذلك جزء أو أجزاء دُوِّنت فى التفسير خاصة، مثل ذلك الجزء المنسوب لأبى رَوق، وتلك الأجزاء الثلاثة التى يرويها محمد بن ثور عن ابن جريج.

ثم وُجِدَت من ذلك موسوعات من الكتب المؤلَّفة فى التفسير، جمعت كل ما وقع لأصحابها من التفسير المروى عن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم، كتفسير ابن جرير الطبرى. ويُلاحَظ أن ابن جرير ومَنْ على شاكلته - وإن نقلوا تفاسيرهم بالإسناد - توسَّعوا فى النقل وأكثروا منه، حتى استفاض وشمل ما ليس موثوقاً به. كما يُلاحَظ أنه كان لا يزال موجوداً إلى ما بعد عصر ابن جرير ومَنْ على شاكلته - ممن أفردوا التفسير بالتأليف - رجال من المحدِّثين بوَّبوا للتفسير باباً ضمن أبواب ما جمعوا من الأحاديث.

ثم وُجِد بعد هذا أقوام دوَّنوا التفسير المأثور بدون أن يذكروا أسانيدهم فى ذلك، وأكثروا من نقل الأقوال فى تفاسيرهم بدون تفرقة بين الصحيح والعليل، مما جعل الناظر فى هذه الكتب لا يركن لما جاء فيها، لجواز أن يكون من قبيل الموضوع المختلق، وهو كثير فى التفسير.

ثم بعد هذا تغيَّرت موجهات الحياة، فبعد أن كان التدوين فى التفسير لا يتعدى المأثور منه، تعدَّى إلى تدوين التفسير بالرأى على تدرج فيه، كما أشرنا إليه فيما سبق (ص ١٥٦) .

* *

* اللَّون الشخصى للتفسير المأثور:

من المعلوم أن الشخص الذى يُفسِّر نصاً من النصوص، يُلوِّن هذا النص بتفسيره إياه، لأن المتفهم لعبارة من العبارات، هو الذى يحدد معناه ومرماها وفق مستواه الفكرى، وعلى سعة أفقه العقلى، وليس فى استطاعته أن يفهم من النص إلا ما يرمى إليه فكره، ويمتد إليه عقله، وبمقدار هذا يتحكم فى النص ويُحدِّد بيانه، وهذا أصل ملحوظ،

<<  <  ج: ص:  >  >>