علمت أن الله إله واحد فى كل شرع عيناً، وكثير صورة وكوناً، فإن الأدلة العقلية تُكّثِّره باختلافها فيه، وكلها حق ومدلولها صدق، والتجلِّى فى الصورة كثرة أيضاً لاختلافها. والعين واحدة، فإذا كان الأمر هكذا فما تصنع؟ أو كيف يصح لى أن أُخَطِّئ قائلاً؟ ولهذا لا يصح الخطأ من أحد فيه، وإنما الخطأ فى إثبات الغير وهو القول بالشريك، فهذا القول بالعدم، لأن الشريك ليس ثَمَّ، وذلك لا يغفره الله، لأن الغفر الستر، ولا يُستر إلا مَن له وجود، والشريك عدم يُستر.. فهى كلمة تحقيق، {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} ، لأنه لا يجده. فلو وجده لصح وكان للمغفرة عَيْن تتعلق بها، وما فى الوجود مَن يقبل الأضداد إلا العالَم من حيث ما هو واحد، وفى هذا الواحد ظهرت الأضداد، وما هى إلا أحكام عَيْن الممكنات فى عَيْن الوجود التى بظهورها عُلِمت الأسماء الإلهية المتضادة وأمثالها".
* *
[رأينا فى التفسير الصوفى النظرى]
ورأيى الذى أدين الله عليه: أن مثل هذا التفسير القائم على نظرية وحدة الوجود ما كان لنا أن نقبله مهما كان قائله.
كذلك ليس لنا أن نقبل التفسير الذى أُسس على نظريات الفلاسفة الذين بحثوا فى الطبيعة وما وراء الطبيعة، والذى جرى عليه ابن عربى وغيره من المتصوِّفة فى تفسيرهم لبعض الآيات القرآنية. لا نقبله على أنه تفسير موافق لمراد الله تعالى ومقصوده الذى جاء القرآن من أجله، وإن كنا نقبله - إن صح - على أنه مما تحتمله الآية ما دام لا يعارض القرآن ولا ينافيه. على أن كل ما جاء من ذلك لا يعدو أن يكون ظنياً، وقد يظهر خطؤه فى يوم من الأيام، فكيف نحمل عليه القرآن الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟
أما التفسير الذى يُبنى على قياس الغائب على الشاهد كتفسير ابن عربى لحقيقة الميزان الذى تُوزن به الأعمال يوم القيامة، فهذا أيضاً ضرب من التخمين، والتخمين لا يجوز أن يدخل فى فهم الأشياء التى لا يُتوصل إلى حقيقتها إلا من طريق السمع عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وأما التفسير الذى يبُنى على قواعد نحوية أو بلاغية، فهذا إن ساعده السياق والسباق قُبِل، وإلا أعرضنا عنه، وأخذنا بما يصححه النظر ويقويه الدليل.
هذا هو رأينا فى التفسير الصوفى النظرى، وليس لدينا من المعاذير ما نستطيع أن نتلمسه للقوم حتى نصحح لهم مثل هذا التفسير الذى يقوم على نظريات فاسدة تذهب بالدين من أساسه. وإذا صح - وما أرانى أرتضى ذلك - أن نغض الطرف عما