وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً} يقول ما نصه:{إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ} أى تدعهم وتتركهم، {يُضِلُّواْ عِبَادَكَ} أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرَار الربوبية، فينظروا أنفسهم أرباباً، بعدما كانوا عبيداً، فهم العبيد الأرباب، {وَلاَ يلدوا} أي لا ينتجوا ولا يظهروا، {إِلاَّ فَاجِراً} أى مظهراً ما سُتِر، {كَفَّاراً} أى ساتراً ما ظهر بعد ظهوره، فيظهرون ما سُتِر فيهم، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر، ولا يعرف قدر الفاجر فى فجوره، ولا الكافر في كفره، والشخص واحد، {رَّبِّ اغفر لِي} أي استرنى واستر من أجلى، فيُجهَل مقامى وقدرى، كما جُهِل قَدركَ - {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ}[الزمر: ٦٧]- {وَلِوَالِدَيَّ} كنت نتيجة عنهما، وهما العقل والطبيعة، {وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ} أى قلبى، {مُؤْمِناً} أى مصدِّقاً بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية، وهو ما حدَّثت به أنفسهم، {وَلِلْمُؤْمِنِينَ} من العقول، {والمؤمنات} من النفوس، {وَلاَ تَزِدِ الظالمين} من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحُجُب الظلمانية، {إِلاَّ تَبَاراً} أى هلاكاً، فلا يعرفون نفوسهم وشهودهم وجه الحق دونهم".
وفى سورة النساء عند قوله تعالى فى الاية [٨] : {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} .. يقول "لأنه لا ينطق إلا عن الله، بل لا ينطق إلا بالله، بل لا ينطق إلا الله منه فإنه صورتُه".
* *
[نماذج من التفسير الإشارى له]
فى سورة الأعراف عند قوله تعالى فى الآيتين [٥٧، ٥٨] : {وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حتى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المآء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثمرات كذلك نُخْرِجُ الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والذي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كذلك نُصَرِّفُ الآيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} ..
نراه يذكر: أنه لما أدركته الفطرة التى لا بد منها لكل داخل فى الطريق، وتحكَّمت فيه، رأى الحق سبحانه، فتلا عليه هاتين الآيتين، قال: فعلمت أنى المراد بهذه الآية، وقلت: ينبه بما تلاه علينا على التوفيق الأول الذى هدانا الله به على يد عيسى وموسى ومحمد سلام الله عليهم جميعهم، فإن رجوعنا إلى هذا الطريق، كان بمبشرة على يد عيسى، وموسى، ومحمد عليهم السلام، {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} وهى العناية بنا، {حتى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً} وهو ترادف التوفيق، {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ} وهو أنا، {فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} - وهو ما ظهر علينا من أنوار القبول،