[التفسير بالرأى المذموم.. أو تفسير الفرقة المبتدعة]
* تمهيد فى بيان نشأة الفِرَق الإسلامية:
جرى التفسير منذ زمن النبوة إلى زمن أتباع التابعين، على طريقة تكاد تكون واحدة، فخَلَف كل عصر يحمل التفسير عمَّن سلف بطريق الرواية والسماع، وفى كل عصر من هذه العصور، تتجدد نظرات تفسيرية، لم يكن لها وجود قبل ذلك، وهذا راجع إلى أن الناس كلما بعدوا عن عصر النبوة ازدادت نواحى الغموض فى التفسير. فكان لا بد للتفسير من أن يتضخم كلما مرَّت عليه السنون.
لم يكن هذا التضخم فى الحقيقة إلا محاولات عقلية، ونظرات اجتهادية، قام بها أفراد ممن لهم عناية بهذه الناحية. غير أن هذه الناحية العقلية فى التفسير لم تخرج عن قانون اللغة، ولم تتخط حدود الشريعة، بل ظلَّت محتفظة بصبغتها العقلية والدينية، فلم تتجاوز دائرة الرأى المحمود إلى دائرة الرأى المذموم الذى لا يتفق وقواعد الشرع.
ظلَّ الأمر على ذلك إلى أن قامت الفرق المختلفة، وظهرت المذاهب الدينية المتنوعة، ووجِد من العلماء من يحاول نُصرة مذهبه والدفاع عن عقيدته بكل وسيلة وحيلة. وكان القرآن هو هدفهم الأول الذى يقصدون إليه جميعاً، كلٌ يبحث فى القرآن ليجد فيه ما يُقَوِّى رأيه ويُؤَيِّد مذهبه، وكلٌ واجد ما يبحث عنه ولو بطريق إخضاع الآيات القرآنية لمذهبه، والميل بها مع رأيه وهواه، وتأويل ما يصادمه منها تأويلاً يجعلها غير منافية لمذهبه ولا متعارضة معه.
ومن هنا بدأ الخروج عن دائرة الرأى المحمود إلى دائرة الرأى المذموم، واستفحل الأمر إلى حد جعل القوم يتسعون فى حماية عقائدهم، والترويج لمذاهبهم، بما أخرجوه للناس من تفاسير حملوا فيها كلام الله على وفق أهوائهم، ومقتضى نزعاتهم ونحلهم!!
ونحن نعلم بطريق الإجمال - وللتفصيل موضع غير هذا - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ستفترق أُمَّتى ثلاثاً وسبعين فِرْقة، كلها فى النار، إلا واحدة، وهى ما أنا عليه وأصحابى" وقد حقق الله نبوءة رسوله، وصدَّق قوله فتصدعت الوحدة الإسلامية إلى أحزاب مختلفة، وفرق متنافرة متناحرة، ولم يظهر هذا التفرق بكل ما فيه من خطر على الإسلام والمسلمين إلا فى عصر الدولة العباسية، أما قبل ذلك، فقد كان المسلمون يداً واحدة، وكانت عقيدتهم واحدة كذلك، إذا استثنينا ما كان بينهم من المنافقين الذين