وليس تفسير الصوفية عندى مقبولاً إذا خالف الظاهر، وكان تكلفاً، أو خالف أُسلوب العربية ولا أعذر مُن يُفسِّر به ولا أقبل شهادته، وأتقرب إلى الله تعالى ببغضه والبراءة منه، فإنه ولو كان فى نفسه حقاً لكن جعله معنى للآية أو للحديث خطأ لأنه خروج عن الظاهر وأساليب العرب التي يتخاطبون بها وتكلف من التكلف الذى يبغضه الله، فإن القولين وإن ناسبهما قوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ علماً لا يقال به ككنز لا يُنفق منه" الذى رواه الطبرى فى الأوسط، لكن لا يصحان تفسيراً للآية، إذ لا يتبادر ذلك لا يجرى على أسلوب العرب والقول الأخير أبعد، وأنا أعد اعتقادى ذلك نوراً ومعرفة أفاضها الله الرحمن الرحيم علىّ. وقد أقبل القول الذى قبله لأنه قريب من أُسلوب العرب. قليل التكلف، والصحيح أن المراد: النفقة الواجبة وغير الواجبة من المال.
* *
[موقفه من الشيعة]
وصاحبنا لا يُسلِّم للشيعة استدلالهم على إمامة علىّ بقوله تعالى فى الآية [٥٥] من سورة المائدة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ} ... بل نراه يفند احتجاجهم بالآية فيقول:"وزعم الشيعة أن: {والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة} ... إلى:{رَاكِعُونَ} المراد به علىّ بن أبى طالب، وأن جملة {وَهُمْ رَاكِعُونَ} حال من واو {وَيُؤْتُونَ الزكاة} وهى مقارنة، وأنه أعطى الزكاة وهو فى الصلاة راكع، سأل سائل وهو فى ركوع الصلاة فأعطاه خاتمه فى حال ركوعه وأراد به الزكاة، وعبَّر عنه بالجمع تعظيماً، وهى دعوى بلا دليل عليها والأصل العموم، والأصل أن لا يُطلق لفظ الجمع على المفرد، ومن دعوى الشيعة أن المراد بالولى - فى الآية - المتولى للأمور المستحق للتصرف فيها، وأن هذه الآية دليل على إمامة علىّ ... وهذا أيضاً تكلف بلا دليل".
* *
[رأيه فى التحيكم]
ونرى المؤلف يتأثر فى تفسيره هذا بعقيدته فى مسألة التحيكم بين علىّ ومعاوية رضي الله عنهما، فيفر من الآيات التى تعارضه، ويمكن أن تكون مستنداً لمخالفيه.
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٣٥] من سورة النساء: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فابعثوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ} ... الآية، نراه يقول:"ولا دليل فى الآية على جواز التحكيم، لأن مسألة الحال إنما هى ليتحقق بالحَكَمين ما قد يخفى من حال الزوجين، بخلاف ما إذا ظهر بطلان إحدى الفرقتين بأن الله قد حكم بقتالها، وأيضاً المراد هنا: الإصلاح مثلاً لا مجرد بيان الحق".