ابتدأ عهد التدوين من قديم، وظفر التفسير بالتدوين كغيره من العلوم، فأُلِّفت فيه كتب اختلفت فى منهجها، حسب اختلاف مشارب مؤلفيها، وظفرت هذه الناحية من التفسير - ناحية التفسير بالرأى الجائز - بكثرة زاخرة من الكتب المؤلفة، كثرة تضخمت على مَرِّ العصور وكَرِّ الدهور، ففى كل عصر يَجِّد جديد من الكتب المؤلَّفة فى التفسير بالرأى الجائز، ثم تنضم إلى ما سبق من ذلك، حتى ازدحمت بها المكتبة الإسلامية على اتساعها وطول عهدها.
ولكن هل احتفظت لنا المكتبة الإسلامية بكل هذه الكتب؟ أو عفى رسمها وذهب أثرها؟
لا.. لا هذا، ولا ذاك، بل احتفظت لنا ببعضها، وذهب بعضها الآخر بتقادم الزمن عليه، ومع هذا فإن القصور المكتبى، حال بيننا وبين الاطلاع، على جميع ما خلَّفته لنا المكتبة الإسلامية العامة.. لهذا، ولعدم القدرة على الاطلاع على كل ما يوجد من هذه الكتب واستيعابه بالبحث والدراسة، أكتفى بأن أتعرض لبعض هذه الكتب على ضوء المنهج الذى بيَّنته، ولعل فى ذلك غِنَىً عن بعضها الآخر، الذى حال بينى وبين القصور المكتبى تارة، والقصور الزمنى تارة أخرى.
هذا.. ولا يقوتنى أن أنبه إلى أن هذه الكتب التى وقع عليها اختيارى، يتجه كل منها إلى اتجاه معيَّن، وتغلب عليه ناحية خاصة من نواحى التفسير وألوانه، فمنها ما تغلب عليه الصناعة النحوية، ومنها ما تغلب عليه النزعة الفلسفية والكلامية، ومنها ما تطغى فيه الناحية القصصية والإسرائيلية، ومنها غير ذلك. ولكن الجميع ينضم تحت شئ واحد هو التفسير بالرأى الجائز، فلا عليه - إذن - إن كنت قد جمعت بين هذه الكتب المختلفة المنازع والاتجاهات، وهذا أمر اعتبارى لا أقل ولا أكثر.
أما هذه الكتب التى وقع عليها اختيارى، فهى ما يأتى: