أن تتضمن مذهبه، وتكون أسانيد له، وهذا ليس من شأن المفسِّر المنصف، الذى يبحث فى القرآن بحثاً مجرداً عن الهوى والعقيدة.
وأما من الناحية الثانية: ناحية الفيض الإلهى، فهو واسع الباع فيها، وقد مرَّت بك مقالته فى التفسير الإشارى، ورأيتَ كيف ادَّعى أن كل ما يجرى على لسان أهل الحقيقة من المعانى الإشارية فى القرآن هو فى الحقيقة تفسير وشرح لمراد الله، وإنما عبَّر عنها بالإشارة. تقيَّة من أهل الظاهر، ورأيتَ كيف ادَّعى أن أهل الله - وهم الصوفية - أحق الناس بشرح كتابه، لأنهم يتلقون علومهم عن الله، فهم يقولون فى القرآن على بصيرة، أما أهل الظاهر فيقولون بالظن والتخمين.
ثم هو لا يرى فرقاً بين القرآن نفسه، وبين تفسير أهل الله له، من ناحية أن كلا منهما حق ثابت، وصدق لا يعتريه شك، فإذا كان القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنه من عند الله، فكذلك أقوال أهل الحقيقة فى التفسير، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، لأنها منزَّلة على قلوبهم من عند الله.
يقرر ابن عربى كل هذه المبادئ، ويُصرِّح بها فى فتوحاته، وأنا لا زلت واقفاً عند رأيى الذى قررته آنفاً، وهو: أن دعوى الفيض والإلهام لا يصح أن تكون أصلاً يُحكم به على كتاب الله تعالى.
هذا.. وإن ابن عربى لم نظفر له بكتاب فى التفسير، ولكن نجد صاحب كشف الظنون يقول: إنه "صنَّف تفسيراً كبيراً على طريقة أهل التصوف فى مجلدات. قيل إنه فى ستين سِفْراً، وهو إلى سورة الكهف، وله تفسير صغير فى ثمانية أسفار على طريقة المفسِّرين"، وإذا كنا لم نظفر بهذين الكتابين، فإنَّا قد ظفرنا بما فيه بعض الكفاية عنهما، وهو تفسيره لبعض الآيات التى وجدناها متفرقة فى غضون مؤلفاته، كالفصوص، والفتوحات. إليك بعضاً منها لتكون على بصيرة، ولتطمئن إلى حكمى على الرجل فى شرحه لكتاب الله تعالى:
[نماذج من التفسير الصوفى النظرى له]
فى سورة نوح عند قوله تعالى فى الآية [٢٥] : {مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ الله أَنصَاراً} .. يقول:{مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ} فهى التى خطت بهم فغرقوا فى بحار العلم بالله وهو الحيرة، {فَأُدْخِلُواْ نَاراً} فى عين الماء، {فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ الله أَنصَاراً} فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد".
وعند قوله تعالى فى الآيتين [٢٧، ٢٨] من سورة نوح أيضاً: {إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يلدوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً * رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً