كذلك نجد المؤلف يقف من المتشابه موقف التأويل، ويعيب على مَن يقول بالظاهر، وإن فوَّض علمه وكيفيته لله.
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٢١٠] من سورة البقرة: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام والملائكة وَقُضِيَ الأمر وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} .. يقول:{إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام} على حذف مضاف: أي أمر الله. بدليل قوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الملائكة أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} ... والحاصل، أن مذهبنا ومذهب هؤلاء - يريد المعتزلة ومن وافقهم - تأويل الآية عن ظاهرها إلى ما يجوز وصف الله به".
وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٤٢] من سورة المائدة: {وَإِنْ حَكَمْتَ فاحكم بَيْنَهُمْ بالقسط إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} .. نراه يذكر الحديث القائل: "إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين"، ثم يقول: "ويمين الرحمن عبارة عن المنزلة الرفيعة، والعرب تذكر اليمين فى الأمر الحسن، ودل لذلك قوله:"وكلتا يديه يمين"، والتأويل فى مثل ذلك هو الحق. وأما قول سَلَف الأشعرية فى مثل ذلك: إنَّا نؤمن به وننزهه عن صفة الخلق ونكل معناه إلى الله، ونقول: هو على معنى يليق به ... وكذا طوائف من المتكلمين، فجمود وتعام عن الحق".
وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٥٤] من سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش} ... الآية، يقول: "واستوى: بمعنى استولى بالملك، والغلبة والقوة، والتصرف في كيف شاء، و "العرش": جسم عظيم وذلك مذهبنا ومذهب المعتزلة، وأبى المعالى وغيره من حُذَّاق المتكلمين، وخص العرش بذكر الاستيلاء لعظمته".
* *
[موقفه من تفسير الصوفية]
ونجد المؤلف يبدى رأيه فى تفسير الصوفية بصراحة تامة، ويحمل على مَن يُفسِّر هذا التفسير، فيقول عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٣] من سورة البقرة: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} : ".. قيل: ويحتمل أن يُراد الإنفاق من جميع ما رزقهم الله من أنواع الأموال، والعلم، وقوة البدن، والجاه، وفصاحة اللسان.. ينفعون بذلك عيال الله سبحانه وتعالى على الوجه الجائز، وقيل: المعنى: ومما خصصناهم به من أنوار معرفة الله - جَلَّ وعَلا - يفيضون.. وهذا القول والذى قبله أظنهما للصوفية أو لمن يتصوف،