بعد مقتل عثمان رضى الله عنه، نشط أنصار علىّ رضي الله عنه فى الدعوة له، حتى أخذوا له البَيْعة من المسلمين، ليكون خليفة لهم ... ولكن لم تكد تتم له البَيْعة حتى قام ثلاثة من كبار الصحابة ينازعونه الأمر، لاعتقادهم أن الحق فى غير جانبه.. وهؤلاء الصحابة هم: معاوية ابن ابي سفيان، وطلحة بن عبد الله، والزبير بن العوام.
وكان لعلىّ - رضى الله عنه - شيعة وأنصار، وكان لمعاوية رضي الله عنه شيعة وأنصار كذلك. وكانت حروب طاحنة بين الفريقين!!. كان الغلب فيها لعلىّ وحزبه، إلى ان جاءت موقعة صفين، فكاد الفشل يحيق بجيش معاوية، وأوشكت الهزيمة أن تُحدق به، لولا أن لجأ إلى حيلة رفع المصاحف على أسِّنَة الرماح، طلباً للهدنة، ورغبة في التحكيم بين الحزبين. وبعد أخذ ورد بين جيش علىّ فى قبول التحكيم وعدمه. رأى علىّ رضى الله اعنه قبول التحكيم، رغبة منه فى حقن الدماء. واختار معاوية: عمرو ابن العاص ليمثله، واختار أصحاب علىّ: أبا موسى الأشعرى.
وكان قبول علىّ - رضى الله عنه - لمبدأ التحكيم أول عامل من عوامل التصدع فى جيشه وحزبه، إذ أن بعض شيعته رأوا أن التحكيم خطأ، لأن الحق ظاهر فى جانب علىّ، ولا يعتوره شك فى نظرهم، وقبول التحكيم دليل الشك من علىّ فى أحقيته بالخلافة، وهم إنما قاموا معه فى حروبه لاعتقادهم بأن الحق فى جانبه، فكيف يشك هو فيه؟
لم يرض هؤلاء بفكرة التحيكم. فخرجوا على علىّ، ولم يقبلوا أن يرجعوا إليه إلا إذا أقرّ على نفسه بالكفر، لقبوله التحكيم، وإلا إذا نقض ما أبرم من الشروط بينه وبين معاوية، ولكن علياً رضى الله عنه لم يستجب لرغبتهم هذه، فأخذوا كلما خطب علىّ أو ضمَّه وإياهم مكان جامع رفعوا أصواتهم بقوله:"لا حكم إلا لله".
وكان التحكيم، وفيه خدع عمرو بن العاص أبا موسى الأشعرى، فلم يكن إلا تحكيماً فاشلاً، أمال قلوب كثير من الناس إلى ناحية الخوراج، وأخيراً وبعد يأس الخوارج من رجوع علىّ إليهم اجتمعوا فى منزل أحدهم، وخطب فيهم خطبة حثَّهم على التمسك بمبدئهم والدفاع عنه، وطلب منهم الخروج من الكوفة إلى قرية بالقرب منها يقال لها "حروراء"، فخرجوا إليها وأمَّروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبى،