وقع الاختلاف فى أصل هذه الكلمة "تصوف" فقيل: إنها مشتقة من الصوف، وذلك لأن الصوفية خالفوا الناس فى لبس فاخر الثياب فلبسوا الصوف تقشفاً وزهداً. وقيل: إنه من الصفاء، وذلك لصفاء قلب المريد، وطهارة باطنه وظاهره عن مخالفه ربه. وقيل: إنه مأخوذ من الصُفَّة التى يُنسب إليها فقراء الصحابة المعروفون بأهل الصُفَّة. ويرى غيرهم أنه لقب غير مشتق. قال القشيرى رحمه الله:"ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية، ولا قياس، والظاهر أنه لقب. ومَن قال باشتقاقه من الصفاء أو من الصُفَّة فبعيد من جهة القياس اللُّغوى. قال: وكذلك من الصوف، لأنهم لم يُختصوا به".
* *
[معنى التصوف]
وأما معنى التصوف.. فقيل:"هو إرسال النفس مع الله على ما يريده".
وقيل:"هو مناجاة القلب ومحادثة الروح، وفى هذه المناجاة طُهرة لمن شاء أن يتطهر، وصفاء لمن أراد التبرؤ من الرِجس والدنس، وفى تلك المحادثة عروج إلى سماء النور والملائكة، وصعود إلى عالَم الفيض والإلهام، وما هذا الحديث والنجوى إلا ضرب من التأمل، والنظر، والتدبر فى ملكوت السموات والأرض. بَيْد أن الجسم والنفس متلازمان وتوأمان لا ينفصلان، ولا سبيل إلى تهذيب أحدهما بدون الآخر. فمَن شاء لنفسه صفاءً ورفعة فلا بد له أن يتبرأ عن الشهوات وملذات البدن.. فالتصوف إذن: فكر، وعمل، ودراسة، وسلوك".
* *
[نشأة التصوف وتطوره]
والتصوف بهذا المعنى موجود منذ الصدر الأول للإسلام، فكثير من الصحابة كانوا معرضين عن الدنيا ومتاعها، آخذين أنفسهم بالزهد والتقشف، مبالغين فى العبادة، فكان منهم مَن يقوم الليل ويصوم النهار، ومنهم مَن يشد الحجر على بطنه تربية لنفسه وتهذيباً لروحه، غير أنهم لم يُعرفوا فى زمنهم باسم الصوفية، وإنما اشتهر بهذا