وقته، فلما قام الباب واشتهر أمره صدَّقه بهاء الله، فاشتد به أزر البابيين وكثرت جماعتهم، ولما حدثت حادثة سنة ١٢٦٨ هجرية، وهى محاولة اغتيال ناصر الدين شاه، قُبِض على بهاء الله وسُجِن نحو أربعة أشهر، ثم أُفرج عنه وأُبعد إلى العراق، فدخل بغداد سنة ١٢٦٩ هجرية، ومكث بها اثنى عشر عاماً، يدعو الناس إلى نفسه، ويزعم أنه هو الموعود به الذى أخبر عنه الباب، وكان يشير إليه بلفظ "مَن يُظهره الله" وهناك تجمَّع حوله بعض أتباعه الذين لحقوا به من البابيين، وتسموا حينئذ بالبهائيين، ووقعت بينهم وبين شيعة العراق فتنة كادت تُفضي إلى قيام حرب أهلية بين الفريقين، فقررت الحكومة العثمانية فى ذلك الوقت إرسال بهاء الله إلى الآستانة، فأرسل إليها ومكث بها نحواً من أربعة أشهر، ثم نُفى إلى أدرنة ومكث بها نحواً من خمس سنوات، ثم نُفى منها إلى عكا من بلاد الشام سنة ١٢٨٥ هجرية، وبقى بها إلى أن مات سنة ١٣٠٩ هجرية، فتولى رئاسة الطائفة ابنه عباس (المولود سنة ١٨٤٤م والمتوفى سنة ١٩٢١م) والملقب "عبد البهاء"، فأخذ يدعو إلى هذا المذهب، ويتصرف فيه كيف يشاء، فلم يرض هذا الصنيع أتباع البهاء فانشقوا عليه، والتف فريق منهم حول أخيه الميرزا علىّ، وألَّفوا كتباً في الطعن على عبد البهاء يتهمونه فيها بالمروق من دين البهاء.
* *
[الصلة بين عقائد البابية وعقائد الباطنية القدامى]
بالرغم من أن هذه الفرقة لم تظهر إلا قريباً، فإنَّا نجدها ليست بالفرقة المحدَثة فى عقائدها وتعاليمها، بل هى فى الحقيقة ونفس الأمر وليدة من ولائد الباطنية، تغذت من ديانات قديمة، وآراء فلسفية، ونزعات سياسية. ثم درجت تحذو حذو الباطنية الأُوَل، وتترسم خطاهم فى كل شىء، وتهذى فى كتاب الله، فتأوَّلته بمثل ما تأوَّلوه، لتصرف عنه قلوباً تعلقت به ونفوساً اطمأنت إليه.
والذى يقرأ تاريخ الباطنية الأُوَل، ويطلع على ما فى كتبهم من خرافات وأباطيل، ثم يقرأ تاريخ البابية والبهائية، ويطلع على ما فى كتبهم من خرافات وأباطيل، لا يسعه إلا أن يحكم بأن روح الباطنية حلَّت فى جسم ميرزا علىّ، وميرزا حسين علىّ، فخرجت للناس أخيراً باسم البابية والبهائية.