العامة، ويقولون: إن النبى صلى الله عليه وسلم يُخبر خواص أُمته بما جاء به واعتقده بالتصريح فى السر والعلن، غير مرموز ولا مكتوم، ثم يشير إليها، ويرمز عنها عند العوام بالألفاظ المشتركة، والمعانى المحتملة للتأويل بما يعقلها الجمهور، وتقبلها نفوسهم وغير خاف أن هذا هو عين مذهب الباطنية القائل بأن ظواهر القرآن غير مرادة.
هذه بعض شروح الفلاسفة من المسلمين لآيات القرآن الكريم، وهى كما ترى شروح تقوم على نظريات فلسفية بحتة، لا يمكن أن يتحملها النص القرآنى بحال من الأحوال.
هذا.. ولم نسمع أن فيلسوفاً من هؤلاء الفلاسفة الذين تحكَّمت الفلسفة فى عقولهم، ألَّف لنا تفسيراً كاملاً للقرآن الكريم، وكل ما وجدناه لهم فى ذلك لا يعدو بعض أفهام قرآنية متفرَّقة فى كتبهم التى ألَّفوها فى الفلسفة. وأكثر مَن وجدنا له أثراً فى التفسير من هؤلاء الفلاسفة هو الرئيس أبو علىّ ابن سينا، إذ قد عُثِر له على تفسير قوله تعالى فى الآية [٣٥] من سورة النور: {الله نُورُ السماوات} ... الآية وعلى تفسير سورة الإخلاص، والمعوذتين وبعض آيات أخرى، ولهذا سأعتبر ابن سينا الشخصية الأولى التى كان لها أكبر أثر فى التفسير الفلسفى، فأذكر نُبْذة عن حياته، ثم أعرض لمسلكه فى التفسير فأقول:
[ترجمة ابن سينا]
هو الرئيس أبو علىّ الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علىّ بن سينا. كان أبوه من أهل بلخ، ثم انتقل إلى بخارى، وفى قرية من قراها وُلِد له أبو علىّ ابن سينا سنة ٣٧٠ هـ (سبعين وثلاثمائة من الهجرة) . ثم انتقل مع أهله إلى بخارى، ثم طوّف أبو علىّ بعد ذلك فى البلاد، واشتغل بالعلوم، وحصَّل كثيراً من الفنون. حفظ القرآن وله من العمر عشر سنين، وأتقن الأدب، وحفظ أشياء من أُصول الدين، والحساب والجبر، ثم تعلَّم المنطق على أبى عبد الله الناتلى، وفاقه، ثم اشتغل بالعلوم الطبيعية والإلهية، ثم رغب فى علم الطب فقرأ الكتب المؤلَّفة فيه، حتى أصبح بارعاً لا يعدله أحد فيه. كل هذا ولم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، ثم لم تأت عليه سن الثامنة عشرة إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم التى عاناها، مما يدل على ذكائه الخارق وذهنه الثاقب. أما تصانيفه فكثيرة، تقارب المائة مصنَّف، ومن أهمها: كتاب الشفاء فى الحكمة،