اللقب فيما بعد مَن عُرفوا بالزهد والتفانى فى طاعة الله تعالى، وكان هذا الاشتهار فى القرن الثانى الهجرى، وأول من سُمِّى بالصوفى: أبو هاشم الصوفى المتوفى سنة ١٥٠ هـ (خمسين ومائة من الهجرة) .
وفى هذا القرن وما بعده تولَّدت بعض الأبحاث الصوفية، وظهرت تعاليم القوم ونظرياتهم التى تواضعوا عليها، وأخذت هذه الأبحاث تنمو وتتزايد كلما تقادم العهد عليها. وبمقدار ما اقتبسه القوم من المحيط العلمى الذى يعيشون فيه تطورت هذه الأبحاث والنظريات.
ولقد استفاد المتصوفة من الفلاسفة والمتكلمين والفقهاء ما كان له الأثر الأكبر فى هذا التطور الصوفى، غير أنهم أخذوا من الفلسفة بحظ وافر، بل وكوَّنوا فلسفة خاصة بهم، حتى أصبحنا نرى بينهم رجالاً أشبه بالفلاسفة منهم بالمتصوفة، وأصبحنا نرى بعضهم يدين بمسائل فلسفية لا تتفق ومبادئ الشريعة، مما أثار عليهم جمهور أهل السُّنَّة، وجعلهم يحاربون التصوف الفلسفى، ويؤيدون التصوف الذى يدور حول الزهد، والتقشف، وتربية النفس، وإصلاحها.. وما زال أهل السُّنَّة يحاربون التصوف الفلسفى حتى كادوا يقضون عليه فى نهاية القرن السابع الهجرى.
ومن ذلك الوقت دخل فى التصوف رجال من غير أهله، تظاهروا بالورع والطاعة، وتحلَّوا بالزهد الكاذب والتقشف المصطنع، فأصبحنا نرى بعض الجهلاء الأُميين يشرفون على الطريق، ويتولون تربية الأتباع والمريدين، ووقفت التعاليم الصوفية عند دائرة محدودة، هى دائرة الأوراد والأذكار، وإن تعدتها فلا أكثر من بعض الأبحاث الضيقة فى الفقه والتفسير والحديث.
* *
[أقسام التصوف]
مما تقدم يتضح لنا أن التصوف ينقسم إلى قسمين أساسيين:
تصوف نظرى: وهو التصوف الذى يقوم على البحث والدراسة.
وتصوف عملى: وهو التصوف الذى يقوم على التقشف والزهد والتفانى فى طاعة الله. وكل من القسمين كان له أثره فى تفسير القرآن الكريم، مما جعل التفسير الصوفى ينقسم أيضاً إلى قسمين: تفسير صوفى نظرى، وتفسير صوفى فيضى أو إشارى ... وسنتكلم على كل قسم منهما بما يفتح الله به ويوفق إليه: