وبعد ... فهذا ما يسَّره الله لى وأعاننى عليه، ولَعلِّى أكون وقد طوَّفتُ بالقارئ الكريم فى نواح شتَّى من مناهج التفسير، وأخذتُ بيده إلى حيث أطلعته على ألوان مختلفة منه، من مبدأ نزول القرآن إلى عصرنا هذا، وكشفتُ له عن طرائق القوم فى فهمهم لنصوص كتاب الله، وأريته كيف حاول كل ذى نِحْلة أن يقيم نِحْلته على أساس من القرآن. وكيف تحايل على فهم آياته، وتصرَّف فى تأويل عباراته، كل مَن حاول أن يجعل القرآن شاهداً له، ودليلاً على ما يهدف إليه، من حق تبلج، أو باطل تلجلج ... لَعلِّى بعد هذا كله أكون قد أرضيتُ عُشَّاق التفسير خاصة، وأهل العلم عامة، وحققتُ رغبة طالماً ترددت فى صدورهم، وقضيتُ حاجة كثيراً ما تطلعت لها نفوسهم، واشرأبت إليها أعناقهم.
ولَعلِّى بعد ذلك أن لا أكون قد أسأمت القارئ الكريم، من طول دعتنى إليه ضرورة البحث، ودفعتنى إليه رغبة الأستيفاء والاستقصاء.
واعتقادى - رغم هذا الطول - أن فى هذا البحث تركيزاً كبيراً، واختصاراً كثيراً، إذ أن كل موضوع من موضوعات هذا الكتاب يصلح لأن يكون كتاباً وحده، وكتاباً موسعاً مُسهباً.
وأرجو أن يهىء الله لى رُشداً من أمرى، ومتسعاً من وقتى، لأجعل من هذا الكتاب كتباً متعددة، فيها إسهاب أوسع من هذا الإسهاب، واستيفاء أشمل من هذا الاستيفاء.
وحسبى بهذا العمل الذى يُعتبر باكورة عملى فى التأليف أن أكون قدَّمت إلى المكتبة الإسلامية بحثاً فيه جدة وطرافة، وفيه متعة علمية، ولذَّة روحية، تستهوى القارئ، وتستحوذ على مشاعره وحسه.
حسبى هذا، وحسبى أن أكون قد أرضيتُ رغبتى العلمية، التى لم آل فى إرضائها جهداً، ولم أدخر فى إشباعها وسعاً، فإن رَضِىَ الناس بعد ذلك، فذلك من فضل الله، وإن كانت الأخرى، فذلك هو جَهْدُ المُقِل، وطاقة الناشىء، الذى لا يزال يرقب من وراء الغيب أملاً فسيحاً، وكمالاً صريحاً.
هذا.. ولا يفوتنى أن أعتذر إلى القارئ الكريم عما قد يكون فى هذا الكتاب من أخطاء هينة لا تخفى على فطانته، ولا تدق عن إدراكه، فإنْ مرَّ بها فرجائى إليه أن يتلمس لها عذراً، وأن يصححها مشكوراً، وتلك شيمة الكرام أهل الخُلُق الطاهر والأدب الحميد، وأن لا يكون ممن قال فيهم الشاعر: