للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حباً معرفة صافية تضىء أنوارها على الظاهر والباطن".

هذا وأمثاله من كلام الصوفية لو قلنا إنهم أرادوا به تفسير الآيات القرآنية وبيان معانيها التى تُحمل عليها لا غير، لكان هو بعينه مذهب الباطنية، وذلك لأن المعانى التى حملوا عليها الألفاظ فى الآيات السابقة لا تعرفها العرب مدلولات لهذه الألفاظ، لا بالوضع الحقيقى ولا بالوضع المجازى المناسب، وليس فى مساق الآيات ما يدل على هذه المعانى المذكورة، ومعلوم أن القرآن عربى ومُخاطَب به العرب الذين يفهمون ألفاظه وتراكيبه، فهذه الآيات المذكورة آنفاً لا يفهم منها العربى أكثر من المعانى المتبادرة إلى فهمه، والتى تنساق إلى ذهنه ابتداءً، فلا يفهم من البيت الحرام، ولا من الجار ذى القُربَى، والجار الجُنُب، والصاحب بالجَنب، وابن السبيل، ولا من البر والبحر، ولا من الأرض والحَبّ، إلا ما يفهمه العربى من هذه الألفاظ، وما وراء ذلك فليس عليه دليل.

وأيضاً لم يُنقل لنا عن السَلَف الصالح من الصحابة والتابعين تفسير للقرآن يماثل هذا التفسير أو يقاربه، ولو كان عندهم معروفاً لَنُقِل، لأنهم أدرى بمعانى القرآن ظاهرها وباطنها باتفاق الأُمة، وغير معقول أن يأتى آخر هذه الأُمة بأهدى مما كان عليه أولها، ولا هم أعرف بالشريعة منهم، ولا أدرى بلغة القرآن من قومه الذين نزل بلسانهم وعلى لغتهم.

ولكن إجلالنا لهؤلاء المفسِّرين ووثوقنا بهم من الناحية العلمية والدينية، واعترافهم فى تفاسيرهم - التى نقلنا عنها - بالمعانى الظاهرية للقرآن وإنكارهم على مَن يقول بباطن القرآن دون ظاهره ... كل هذا يجعلنا نُحسن الظن بالقوم، فنحمل أمثال هذه المعانى على أنها ليست من قبيل التفسير، وإنما هى ذكر منهم لنظير ما ورد به القرآن، فإن النظير يُذكر بالنظير كما قال ابن الصلاح فى فتاواه.

* *

[مقالة الشاطبى فى التفسير الإشارى]

ولزيادة الإيضاح أذكر لك ما قاله الشاطبى فى هذا الموضوع:

قال رحمه الله: الاعتبارات القرآنية الواردة على القلوب، الظاهرة للبصائر، إذا صحَّت على كمال شروطها فهى على ضربين:

أحدهما: ما يكون أصل انفجاره من القرآن ويتبعه سائر الموجودات، فإن الاعتبار الصحيح فى الجملة هو الذى يخرق نور البصيرة فيه حُجُب الأكوان من غير توقف، فإن توقف فهو غير صحيح أو غير كامل، حسبتما بيَّنه أهل التحقيق بالسلوك.

<<  <  ج: ص:  >  >>