لم نعرف من رجال هذه المدرسة رجلاً تأثر بروح الأستاذ الإمام، ونهج على طريقته من التجديد واطراح التقليد، والعمل على تنقية الإسلام من الشوائب التى أُلصقت به، وتنبيه الغافلين عن هَدْيه وإرشاده، مثل الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغى عليه رحمة الله ورضوانه.
تربَّى هذا الرجل فى مدرسة الأستاذ الإمام، وتخرَّج منها وهو يحمل بين جنبيه قلباً مليئاً بالرغبة فى الإصلاح، والثورة على كل ما يقف فى سبيل الإسلام والمسلمين.
هذا القلب الفتى، العامر بما فيه من حب للخير ورغبة فى الإصلاح، دفع بالرجل إلى ميدان الحياة الاجتماعية، وترقَّى به فى مراتب المناصب الدينية، وأخيراً وقف به عند الغاية، فإذا بالرجل شيخاً للأزهر، وإذا بروح الإصلاح والتجديد تتدفق من فوق منبره، وعلى قلوب طُلابه وغير طُلابه، ثم تنساب جارفة إلى نواح من الحياة المختلفة، فتعمل فيها عمل السحر، والحياة والنور.
لم يلازم الشيخ المراغى أستاذه الإمام ملازمة طويلة كما لازمه الشيخ رشيد، ولم يجلس إليه كثيراً مثلما جلس، ولكنه كان على رغم ذلك أعمق أثراً وأكثر تحقيقاً لما تهدف إليه هذه المدرسة من ضروب الإصلاح وصنوف التجديد، والسر فى ذلك - كما يظهر لنا - هو تقلب الشيخ فى مختلف المناصب الدينية الكبيرة، ثم ما كان فيه من جاذبية وقدرة على استجلاب قلوب سامعيه واستمالتها إليه، مما أجلس بين يديه الملك، والأمير، والوزير، والشيخ الكبير، والطالب الصغير، ورجل الشارع.
جلس هؤلاء جميعاً يستمعون إليه ويأخذون عنه، فكان الميدان فسيحاً أمام الشيخ، يلقى فيه بآرائه وأفكاره، فتجد الدعوى قبولاً من مستمعيه، ورواجاً عند مريديه.. ثم لا تلبث أن تنتشر فتعم كل شىء.
وإذا كان كتاب الله هو الدستور الذى شرعه الله تعالى للأُمة الإسلامية، وجعل فيه خيرها وسعادتها فى الدنيا والآخرة، فِلمَ لا يكون هو الباب الذى يصل منه الشيخ إلى ما يرجوه من خير، وما يهدف إليه من إصلاح.
* *
* إنتاجه فى التفسير:
طرق الشيخ هذا الباب، فعقد دروساً دينية فى تفسير القرآن الكريم، استمع إليها الكثير من الناس على اختلاف طبقاتهم، من الملك إلى رجل الشارع كما قلت، وأُذيعت هذه الدروس أيضاً فى كثير من ممالك الأرض، ودول الإسلام، وأخيراً طُبعت هذه الدروس، ووُزِعَّت على الناس ليعم نفعها، ويزداد أثرها.