علمت أن الغرض الأول الذى تقوم عليه دعوة الباطنية وتتركز فيه: هو العمل على هدم الشرائع عموماً، وشريعة الإسلام على الخصوص. فكان لزاماً عليهم وقد قاموا يحاربون الإسلام - أن يُعمِلوا معاول الهدم فى ركن الإسلام المكين، وهو القرآن الكريم، وقد عجموا معاولهم كلها فلم يجدوا مِعْوَلاً أصلب ولا أقوى على تنفيذ غرضهم من مِعْوَل التأويل والميل بالآيات القرآنية إلى غير ما أراد الله.
كتب عبيد الله بن الحسن القيروانى إلى سليمان بن الحسن بن سعيد الجنانى رسالة طويلة جاء فيها:".. وإنى أوصيك بتشكيك الناس فى القرآن والتوراة والزبور والإنجيل، وتدعوهم إلى إبطال الشرائع، وإلى إبطال المعاد والنشور من القبور، وإبطال الملائكة فى السماء، وإبطال الجن فى الأرض، وأوصيك أن تدعوهم إلى القول بأنه قد كان قبل آدم بشر كثير، فإن ذلك عون لك على القول بقِدَم العالَم".
رأى هذا الزعيم الباطنى أن التشكيك فى القرآن خير معوان لهم على تركيز عقائدهم، ورأى رأيه أهل الباطن جميعاً فقالوا:"للقرآن ظاهر وباطن، والمراد منه باطنه دون ظاهره العلوم من اللُّغة، ونسبة الباطن إلى الظاهر كنسبة اللُّب إلى القشر، والمتمسك بظاهره معذَّب بالشقشقة فى الكتاب، وباطنه مُؤدِّ إلى ترك العمل بظاهره، وتمسكوا فى ذلك بقوله تعالى فى الآية [١٣] من سورة الحديد: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العذاب} .
فانظر إليهم كيف وضعوا هذه القاعدة لفهم نصوص القرآن الكريم، ثم اعجب ما شاء لك أن تعجب من استدلالهم بهذه الآية الكريمة على قاعدتهم التى قَعَّدوها؟ ولستُ أدرى ما صلة هذه الآية بتلك القاعدة والآية واردة فى شأن من شئون الآخرة ينساق إلى فهمه كل مَن يمر بالآية بدون كلفة ولا عناء.
* *
* من تأويلات الباطنية القدامى:
على هذه القاعدة السابقة جرى القوم فى شرحهم لكتاب الله تعالى، فكان من تأويلاتهم ما يأتى:
"الوضوء" عبارة عن موالاة الإمام، و "التيمم" هو الأخذ من المأذون عند غيبة الإمام الذى هو الحُجَّة، و "الصلاة" عبارة عن الناطق الذى هو الرسول بدليل قوله تعالى فى