فى إبَّان شوكة المِلَّة الإسلامية تُرجِمَت كتب الفلسفة من اللُّغات المختلفة إلى اللُغة العربية، ويرجع الفضل الأكبر فى هذا العمل إلى العباسيين وحدهم، إذ أنهم نظموا الترجمة الإسلامية وشجعوها.
بدأ المنصور هذه الحركة المباركة، وتعهدها أبناؤه وأحفاده من بعده، وبلغ بها المأمون - خاصة - القمة، وأضحت بغداد كعبة علمية يحج إليها الطُلاب من كل مكان.
ولكى يحقق العباسيون غايتهم استخدموا طائفة من الفُرس والهنود والصابئة والمسيحيين، الذين كانوا على اتصال وثيق بالدراسات القديمة، فنقلوا إلى اللُّغة العربية كتب فلاسفة اليونان، والهند، والفُرس، وغيرهم، ثم أُذيعت هذه الكتب بين المسلمين، فقرأوها قراءة النَهِم المتعطش لهذا النوع من العلم الذى لم يكن لهم به عهد من قبل.
قرأ بعض المسلمين هذه الكتب الفلسفية، فلم يرقهم أكثر ما فيها من نظريات وأبحاث، لأنهم وجدوها تتعارض مع الدين، ولا تتفق معه بحال من الأحوال، فكرَّسوا حياتهم للرد عليها، وتنفير الناس منها، وكان على رأس هؤلاء: الغزالى، والفخر الرازى، الذى تعرَّض فى تفسيره لنظريات الفلاسفة التى تبدو فى نظره متعارضة مع الدين، ومع القرآن على الأخص، فردَّها وأبطلها بمقدار ما أسعفته الحُجَّة، وانقاد له الدليل.
وقرأ بعض المسلمين هذه الكتب فأعجبوا بها إلى حد كبير، رغم ما فيها من نظريات تبدو متعارضة مع نصوص الشرع القويم، وتعاليمه التى لا يلحقها الشك، ولا تحوم حولها الشبهة.. نعم أعجبوا بها رغم هذا، لأنهم وجدوا أن فى مقدورهم أن يوافقوا بين الحكمة والعقيدة، أو بين الفلسفة والدين، وان يبينوا للناس أن الوحى لا يناقض العقل فى شىء، وأن العقيدة إذا استنارت بضوء الحكمة تمكنت من النفوس، وثبتت أمام الخصوم.. رأوا أن هذا فى مقدورهم، فبذلوا كل ما يستطيعون من حلول ليصلوا الفلسفة بالدين، ويؤاخوا بينهما، حتى يصبح الدين فلسفة، والفلسفة ديناً، وفعلاً وصل فلاسفة المسلمين إلى هذا التوفيق، ولكنه توفيق إن أرضى بعض المسلمين فقد أغضب الكثير منهم، ذلك لأنهم لم يصلوا فى توفيقهم إلا إلى حلول وسطى، صوَّروا فيها التعاليم الدينية تصويراً يبعد كثيراً عن الصور الثابتة المأثورة، ومثل هذه