للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما فى وسعهم لإبطال مذهب المخالف وتفنيده، وكان من أثر ذلك أن نظر هذا البعض إلى آيات الأحكام فأوَّلها حسبما يشهد لمذهبه إن أمكنه التأويل، وإلا فلا أقل من أن يؤوّلها تأويلاً يجعلها به لا تصلح أن تكون فى جانب مخالفيه، وأحياناً يلجأ إلى القول بالنسخ أو التخصيص، وذلك إن سُدَّت عليه كل مسالك التأويل، فهذا عبد الله الكرخى المتوفى سنة ٣٤٠ هـ، وهو أحد المتعصبين لمذهب أبى حنيفة يقول: "كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤوَل أو منسوخ".

ومع هذا الغلو فى التعصب المذهبى، فإننا لم نعدم من المقلِّدين مَن وقف موقف الإنصاف من الأئمة، فنظر فى أقوالهم نظرة الباحث الحر الذى يساير الدليل حتى يصل به إلى الحق أيا كان قائله.

وكان لهؤلاء وهؤلاء - أعنى المعصبين وغير المتعصبين - أثر ظاهر فى التفسير الفقهى، فالمتعصبون ينظرون إلى الآيات من خلال مذهبهم فيُنزلونها عليه، وغير المتعصبين ينظرون إليها نظرة خالية من الهوى المذهبى، فيُنزلونها على حسب ما يظهر لهم، وينقدح فى ذهنهم.

* * *

تنوع التفسير الفقهى تبعاً لتنوع الفرق الإسلامية

وإذا نحن تتبعنا التفسير الفقهى فى جميع مراحله، وجدناه يسير بعيداً عن الأهواء والأغراض من مبدأ نزول القرآن إلى وقت قيام المذاهب المختلفة، ثم بعد ذلك يسير تبعاً للمذاهب، ويتنوع بتنوعها، فلأهل السُّنَّة تفسير فقهى متنوع بدأ نظيفاً من التعصب، ثم لم يلبث أن تلوث به كما أسلفنا، وللظاهرية تفسير فقهى يقوم على الوقوف عند ظواهر القرآن دون أن يحيد عنها، وللخوارج تفسير فقهى يخصهم، وللشيعة تفسير فقهى يخالفون به مَن عداهم.. وكل فريق من هؤلاء يجتهد فى تأويل النصوص القرآنية حتى تشهد له أو لا تعارضه على الأقل.. مما أدى ببعضهم إلى التعسف فى التأويل، والخروج بالألفاظ القرآنية عن معانيها ومدلولاتها.

* *

[الإنتاج التفسيرى للفقهاء]

هذا وإنَّا إذا ذهبنا لنبحث عن مؤلفات فى التفسير الفقهى، فإنَّا لا نكاد نعثر على شىء من ذلك قبل عصر التدوين. اللَّهم إلا متفرقات تؤثر عن فقهاء الصحابة والتابعين، يرويها عنهم أصحاب الكتب المختلفة، أما بعد عصر التدوين فقد ألَّف كثير من العلماء على اختلاف مذاهبهم فى التفسير الفقهى ...

* فمن الحنفية:

ألَّف أبو بكر الرازى المعروف بالجصَّاص والمتوفى سنة ٣٧٠ هـ (سبعين وثلاثمائة من الهجرة) : "أحكام القرآن"، وهو مطبوع فى ثلاث مجلدات كبار، ومتداول بين أهل العلم.

وألَّف أحمد بن سعيد المدعو بـ "ملاجيون" من علماء القرن الحادى عشر الهجرى: "التفسيرات الأحمدية فى بيان الآيات الشرعية"، وهو مطبوع بالهند فى مجلد كبير، ومنه نسخة فى مكتبة الأزهر، وأُخرى فى مكتبة الجامعة المصرية "جامعة القاهرة".

* ومن الشافعية:

ألَّف أبو الحسن الطبرى المعروف بالكيا الهراسى المتوفى سنة ٥٠٤ هـ. (أربع وخمسمائة من الهجرى) : كتابه "أحكام القرآن"، وهو مخطوط فى مجلد كبير، وموجود فى دار الكتب المصرية، وفى المكتبة الأزهرية.

وألَّف شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف بن محمد الحلبى، المعروف بالسمين، والمتوفى سنة ٧٥٦ هـ (ست وخمسين وسبعمائة من الهجرى) : كتابه "القول الوجيز فى أحكام الكتاب العزيز" ويوجد منه فى مكتبة الأزهر الجزء الأول، وهو ينتهى عند قوله تعالى فى الآية [١٩٤] من سورة البقرة: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} ... الآية، وهو مخطوط بخط المؤلف.

وألَّف علىّ بن عبد الله محمود الشنفكى من علماء القرن التاسع الهجرى: كتابه "أحكام الكتاب المبين"، وتوجد منه نسخة فى المكتبة الأزهرية، مخطوطة بخط المؤلف، فى مجلد متوسط الحجم.

وألَّف جلال الدين السيوطى، المتوفى سنة ٩١١ هـ (إحدى عشرة وتسعمائة من الهجرى) : كتابه "الإكليل فى استنباط التنزيل"، وهو موجود فى المكتبة الأزهرية، ومخطوط فى مجلد متوسط الحجم.

* ومن المالكية:

ألَّف أبو بكر بن العربى المتوفى سنة ٥٤٣ هـ (ثلاث وأربعين وخمسمائة من الهجرى) : كتابه "أحكام القرآن"، وهو مطبوع فى مجلدين كبيرين، ومتداول بين أهل العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>