خلالها إلى القرآن. فشرح نصوصه على حسب ما تمليه عليه نزعته الفلسفية المجرَّدة من كل شىء إلا من التعصب الفلسفى..
وأخيراً وجدنا أنفسنا أمام شروح لبعض آيات القرآن، هى فى الحقيقة شروح لبعض النظريات الفلسفية، قُصِدَ بها تدعيم الفلسفة وخدمتها على حساب القرآن الكريم، الذى هو أصل الدين ومنبع تعاليمه.
* *
[من تفسير الفارابى]
فمن هذه الروح التى طغت عليها الفلسفة، ما تجده للفارابى المتوفى سنة ٣٣٩ هـ (تسع وثلاثين وثلاثمائة من الهجرة) فى كتابه "فصوص الحكم"، من تفسيره لبعض الآيات والحقائق التى جاء بها القرآن. تفسيراً فلسفياً بحتاً، فمن ذلك أنه يُفسِّر الأوَّلية والآخرية الواردة فى قوله تعالى فى الآية [٣] من سورة الحديد: {هُوَ الأول والآخر} تفسيراً أفلوطونياً مبنياً على القول بِقدَم العالَم فيقول: إنه " الأول من جهة أنه منه ويصدر عنه كل موجود لغيره، وهو أول من جهة أنه بالوجود لغاية قُربه منه، أول من جهة أنَّ كان زمانى يُنسب إليه بكون، فقد وُجِدَ زمان لم يوجد معه ذلك الشىء، ووُجِدَ إذ وُجِدَ معه لا فيه. هو أول، لأنه إذا اعتبر كل شىء كان فيه أولا أثره، وثانياً قبوله لا بالزمان. هو الآخر، لأن الأشياء إذا لوحظت ونُسِبَتْ إليه أسبابها ومباديها وقف عنده المنسوب، فهو آخر لأنه الغاية الحقيقية فى كل طلب، فالغاية مثل السعادة فى قولك: لِمَ شربت الماء؟ فتقول: لتغيير المزاج، فيقال: ولِمَ أردت أن يتغير المزاج؟ فتقول: للصحة، فيقال: لِمَ طلبت الصحة؟ فتقول: للسعادة والخير، ثم لا يورد عليه سؤال يجب أن يُجاب عنه، لأن السعادة والخير تُطلب لذاته لا لغيره.. فهو المعشوق الأولى، فلذلك هو آخر كل غاية، أول فى الفكرة آخر فى الحصول، هو آخر من جهة أن كل زمان يتأخر عنه، ولا يوجد زمان متأخر عن الحق.. ".
ويشرح الظاهر والباطن الوارد فى قوله تعالى فى الآية [٣] من سورة الحديد أيضاً {.. والظاهر والباطن} .. فيقول:"لا وجود أكمل من وجوده، فلا خفاء فيه من نقص الوجود، فهو فى ذاته ظاهر، ولشدة ظهوره باطن، وبه يظهر كل ظاهر كالشمس تُظهر كل خفى وتستبطن لا عن خفاء".
كما يشرح هذه الجملة مرة أخرى فيقول:"هو باطن لأنه شديد الظهور، غلب ظهوره على الإدراك فخفى، وهو ظاهر من حيث أن الآثار تُنسب إلى صفاته، وتجب عن ذاته فتصدق بها".