على الآخر إلا من عرف هيئات تركيب السموات والأرض، وهو علم برأسه، ولا يعرف كمال معنى قوله:{ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم * الذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * في أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار: ٦-٨] إلا مَن عرف تشريح الأعضاء من الإنسان ظاهراً وباطناً، وعددها وأنواعها، وحكمتها ومنافعها، وقد أشار فى القرآن فى مواضع إليها، وهى من علوم الأوَّلين والآخرين، وفى القرآن مجامع علم الأوَّلين والآخرين. وكذلك لا يعرف معنى قوله:{سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}[الحجر: ٢٩، وسورة ص: ٧٢] ما لم يعلم التسوية، والنفخ، والروح، ووراءها علوم غامضة يغفل عن طلبها أكثر الخلق، وربما لا يفهمونها إن سمعوها من العالِم بها، ولو ذهبت أُفَصِّل ما تدل عليه آيات القرآن من تفاصيل الأفعال لطال، ولا يمكن الإشارة إلا إلى مجامعها.. فتفكر فى
القرآن، والتمس غرائبه لتصادف فيه مجامع علم الأوَّلين والآخرين".
* *
[الجلال السيوطى والتفسير العلمى]
كذلك نجد العلامة جلال الدين السيوطى ينحو منحى الغزالى فى القول بالتفسير العلمى، ويقرر ذلك بوضوح وتوسع فى كتابه "الإتقان" فى النوع الخامس والستين منه، كما يقرر ذلك أيضاً بمثل هذا الوضوح والتوسع فى كتابه "الإكليل فى استنباط التنزيل" ونجده يسوق من الآيات والأحاديث والآثار ما يستدل به على أن القرآن مشتمل على كل العلوم.
فمن الآيات: قوله تعالى فى الآية [٣٨] من سورة الأنعام: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} ، وقوله فى الآية [٨٩] من سورة النحل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} .
ومن الأحاديث: ما أخرجه الترمذى وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستكون فتن"، قيل: وما المخرج منها؟ قال: "كتاب الله.. فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما يعدكم، وحكم ما بينكم".
وما أخرجه أبو الشيخ عن أبى هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لو أغفل شيئاً لأغفل الذّرَّة والخردلة والبعوضة".
ومن الآثار: ما أخرجه سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه قال: "مَن أراد العلم فعليه بالقرآن، فإن فيه خبر الأوَّلين والآخرين".
وما أخرجه ابن أبى حاتم عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال: "أَنْزلَ فى القرآن كل علم، وبَيَّنَ لنا فيه كل شىء، لكن علمنا يقصر عما بَيَّنَ لنا فى القرآن".