بالورع الكاذب، وجعلوا ذلك كله ستاراً لما يريدون أن يبذروه بين المسلمين من بذور الفساد والاضطراب فى العقيدة والسياسة.
ومن المحزن أن يَدِّعى هؤلاء الملاحدة الانتماء إلى أهل بيت النبوة، ويصلون أنسابهم بأنسابهم عن طريق آباء وأئمة مستورين، فيلقى هذا الادعاء رواجاً وقبولا من أناس ضعفاء أغمار، غرَّهم التباكى على آل البيت والتحزن عليهم، فتحركت أحقاد دفينة، وثارت فتن دامية بين المسلمين كان لها أثرها وخطرها.
أسس هؤلاء الباطنية الجمعيات السرية لنشر مذهبهم وهدم مذهب المسلمين، ورسموا لهذا المذهب خطة دبروها بنوع من المكر والخديعة، فجعلوا هدفهم الأول: الاحتيال على الطغام بتأويل الشرائع إلى ما يعود إلى قواعدهم من الإباحة والإلحاد، وتدرجوا فى وصولهم إلى غرضهم هذا بجعلهم الدعوة على مراتب وهى ما يأتى:
[مراتب الدعوة عند الباطنية]
أولا - الذوق: وهو تفرس حال المدعو. هل هو قابل للدعو أو لا؟ ولذلك منعوا من إلقاء البذر فى السبخة.. أى دعوة مَن ليس قابلاً لها، ومنعوا التكلم فى بيت البذر فى السبخة.. أى دعوة مَن ليس قابلاً لها، ومنعوا التكلم فى بيت فيه سراج.. أى فى موضع فيه فقيه أو متعلم.
ثانياً - التأنيس: باستمالة كل واحد من المدعوين بما يميل إليه بهواه وطبعه، من زهد، وخلاعة، وغيرهما، فإن كان يميل إلى زهد زيَّنه فى عينه وقبَّح نقيضه، وإن كان يميل إلى الخلاعة زينَّها وقبَّح نقيضها، ومَن رآه الداعى مائلاً إلى أبى بكر وعمر مدحهما عنده وقال: لهما حظ فى تأويل الشريعة، ولهذا استصحب النبى أبا بكر إلى الغار، ثم إلى المدينة، وأفضى إليه فى الغار تأويل الشريعة.. وهكذا حتى يحصل له الأُنس به.
ثالثاً - التشكيك فى أُصول الدين وأركان الشريعة: كأن يقول للمدعو: ما معنى الحروف المقطعة فى أوئل السور؟ ولِمَ تقضى الحائض الصوم دون الصلاة؟ ولِمَ يجب الغُسل من المنى دون البول؟ ولِمَ اختلفت الصلوات فى عدد ركعاتها فكان بعضها ركعتين، وبعضها ثلاثاً، وبعضها أربعاً؟ وحيث يشككون بمثل هذا فلا يجيبون ليتعلق قلب مَن يشككونه بالرجوع إليهم والأخذ عنهم.
رابعاً - الرابط: وهو أمران: أحدهما: أخذ الميثاق على الشخص بأن لا يفشى لهم سراً، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً}[الأحزاب: ٧] ، وقوله:{وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً}[النحل: ٩١] .. وثانيهما: حوالته على الإمام فى حل ما أشكل عليه من الأُمور التى أُلقيت إليه، فإنها لا تُعلم إلا من قِبَلِ الإمام.