والصالحين، فلا يتعرضون بها لمن ظهرت شقاوته لهم. فإن تعرَّضوا بها لهم قبل أن تظهر لهم، قيل لهم: إنهم بَدَّلُوا وغيَّروا، وليسوا أهلاً لها، فيتركوا التعرض لها. وأما من لم يتأهل لها فمشغول بنفسه لا يدرى ما يُفعل به".
وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [١٢٣] من السورة نفسها: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ} ... يقول.. {وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ} لعدمها هناك، فالمراد أنه لا شفاعة تنفعها، فالشفاعة هنالك منفية من أصلها، وليس المراد أنه هناك شفاعة لا تُقبل. وإنما ساغ ذلك، لأن القضية السالبة تصدق بنفى الموضوع، كما تصدق بنفى المحمول، فكما تقول: ليس زيد قاعداً فى السوق، وتريد أنه فيها لكنه قائم، كذلك تقول: ليس زيد قاعداً فيها، وتريد أنه ليس فيها أصلاً، وذلك مخصوص بالمشرك، فإنه لا شفاعة له هنالك إلا شفاعة القيام لدخول النار، ولا نفع له فى دخول النار، وإنما الشفاعة للموحِّد التائب".
وعند قوله تعالى في الآية [١٥٩] من سورة الأنعام: {إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} ... الآية، يقول:"فالآية نص - أو كالنص - فى أن لا شفاعة لأهل الكبائر. أى أنت برئ منهم على كل وجه، وقد علمت عن عمر وأبى هريرة أن الآية فى أهل البدع من هذه الأمة".
* *
[رؤية الله تعالى]
ويرى صاحبنا: أن رؤية الله تعالى غير جائزة ولا واقعة لأحد مطلقاً، ويُصرِّح بذلك فى تفسيره لآيات الرؤية، ويرد على أهل السُّنَّة الذين يقولون بجوازها فى الدنيا، ووقوعها للمؤمنين فى الآخرة.
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٥٥] من سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً} ... الآية، نراه يذكر ما ورد من الروايات فى هذا الباب، ومن الروايات رواية تفيد: أن موسى سأل ربه أن ينظر إليه بالمجاهرة، يعقب عليها فيقول: "وهذه الرواية تقتضى أن موسى يجيز الرؤية، حتى سألها ومُنعَها ... وليس كذلك، بل إن صح سياق هذه الرواية فقد سألوه الرؤية قبل ذلك، فنهاهم عن ذلك وحرَّمه، أو سكت انتظاراً للوحى فى ذلك، فلما فرغ وخرج، عاودوه ذكر ذلك، فقال لهم: قد سألته على لسانكم كما تحبون، لأخبركم بالجواب الذى يقمعكم لا لجواز الرؤية، فتجلَّى للجبل بعض آياته فصار دكاً، فكفروا بطلب الرؤية، لاستلزامها