قلنا إن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - كانوا يفسِّرون القرآن بمقتضى لغتهم العربية، وما يعلمونه من الأسباب التى نزل عليها القرآن، وبما أحاط بنزوله من ظروف وملابسات، وكانوا يرجعون فى فهم ما أشكل عليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقلنا إن المفسِّرين من التابعين كانوا يجلسون لبعض الصحابة يتلقون عنهم ويروون لهم، فأخذوا عنهم كثيراً من التفسير، وقالوا فيه أيضاً برأيهم واجتهادهم وكانت لغتهم العربية لم تصل إلى درجة الضعف التى وصلت إليها فيما بعد.
قلنا هذا فيما سبق. ونزيد عليه أن ما دُوِّن من العلوم الأدبية، والعلوم العقلية، والعلوم الكونية، ومذاهب الخلاف الفقهية والكلامية، لم يكن قد ظهر شئ منها فى عصر الصحابة والتابعين، وإن كان قد وُجِدت النواة التى نمت فيما بعد وتفرَّعت عنها كل هذه الفروع المختلفة. كان هذا هو الشأن على عهد الصحابة والتابعين، فكان طبيعياً أن تضيق دائرة الخلاف فى التفسير فى هاتين المرحلتين من مراحله، ولا تتسع هذا الاتساع العظيم الذى وصلت إليه فيما بعد.
كان الخلاف بين الصحابة فى التفسير قليلاً جداً، وكذا بين التابعين وإن كان أكثر منه بين الصحابة، وكان اختلافهم فى الأحكام أكثر من اختلافهم فى التفسير.
وإذا نحن تتبعنا ما نُقل لنا من أقوال السَلَف فى التفسير، وجمعنا ما هو مبثوث فى كتب التفسير بالمأثور لخرجنا بادى الرأى بكثير من الأقوال المختلفة فى المسألة الواحدة، فقول لصحابى يخالف قول صحابى آخر، وقول لتابعى يخالف قول تابعى آخر، بل كثيراً ما نجد قولين مختلفين فى المسألة الواحدة، وكلاهما منسوب لقائل واحد، فهل معنى هذا أن الخلاف فى التفسير قد اتسعت دائرته على عهد الصحابة والتابعين، وهل معنى هذا أن الصحابى أو التابعى يناقض نفسه فى المسألة الواحدة؟.. لا، فدائرة الخلاف لم تتسع، ولم يناقض الصحابى أو التابعى نفسه. وذلك لأن غالب ما صح عنهم من الخلاف فى التفسير يرجع إلى اختلاف عبارة مثلاً، أو اختلاف تنوع، لا إلى اختلاف تباين وتضاد كما ظنه بعض الناس فحكاه على أنه أقوال متباينة لا يرجع بعضها إلى بعض.
ونستطيع بعد البحث والنظر فى هذه الأقوال التى اختلفت ولم تتباين، أن نُرجع هذا الخلاف إلى عدة أُمور، نذكرها ليتبين لنا أنه لا تنافى ولا تباين بين هذه الأقوال التى تبدو متعارضة عن السَلَف، وهى ما يأتى: