أولاً: لم يُفَسَّر القرآن جميعه، وإنما فُسِّر بعض منه، وهو ما غمض فهمه وهذا الغموض كان يزداد كلما بَعُد الناس عن عصر النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة، فكان التفسير يتزايد تبعاً لتزايد هذا الغموض، إلى أن تم تفسير آيات القرآن جميعها.
ثانياً: قِلَّة الاختلاف بينهم فى فهم معانيه، وسنعرض لهذا الموضوع بتوسع فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثالثاً: كانوا كثيراً ما يكتفون بالمعنى الإجمالى، ولا يُلزمون أنفسهم بتفهم معانيه تفصيلاً، فيكفى أن يفهموا من مثل قوله تعالى:{وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}[عبس: ٣١] .. أنه تعداد لِنعمَ الله تعالى على عباده.
رابعاً: الاقتصار على توضيح المعنى اللُّغوى الذى فهموه بأخصر لفظ، مثل قولهم:{غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ}[المائدة: ٣] .. أى غير متعرض لمعصية، فإن زادوا على ذلك فمما عرفوه من أسباب النزول.
خامساً: ندرة الاستنباط العلمى للأحكام الفقهية من الآيات القرآنية وعوم وجود الانتصار للمذاهب الدينية بما جاء فى كتاب الله، نظراً لاتحادهم فى العقيدة، ولأن الاختلاف المذهبى لم يقم إلا بعد عصر الصحابة رضى الله عنهم.
سادساً: لم يُدَّون شيء من التفسير فى هذا العصر، لأن التدوين لم يكن إلا فى القرن الثانى. نعم أثبت بعض الصحابة بعض التفسير فى مصاحفهم فظنها بعض المتأخرين من وجوه القرآن التى نزل بها من عند الله تعالى.
سابعاً: اتخذ التفسير فى هذه المرحلة شكل الحديث، بل كان جزءاً منه وفرعاً من فروعه، ولم يتخذ التفسير له شكلاً منظماً، بل كانت هذه التفسيرات تُروى منثورة لآيات متفرقة، كما كان الشأن فى رواية الحديث، فحديث صلاة بجانب حديث جهاد، بجانب حديث ميراث، بجانب حديث فى تفسير آية ... وهكذا.
وليس المعترض أن يعترض علينا بتفسير ابن عباس، فإنه لا تصح نسبته إليه، بل جمعه الفيروزآبادى ونسبة إليه، معتمداً فى ذلك على رواية واهية، هي رواية محمد بن مروان السدى، عن الكلبى، عن أبى صالح، عن ابن عباس وهذه هي سلسلة الكذب كما قيل.