هذا ... وإن الشوكانى ليقرر فى تفسيره هذا: أن الشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون، حياة حقيقية لا مجازية، وذلك حيث يقول عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [١٦٩] من سورة آل عمران: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} : " ... وقد اختلف أهل العلم فى الشهداء المذكورين فى هذه الآية مَن هم؟. فقيل: شهداء أُحُد. وقيل: فى شهداء بدر. وقيل: فى شهداء بئر معونة ... على فرض أنها نزلت فى سبب خاص فالاعتبار بعموم اللَّفظ لا بخصوص السبب.. ومعنى الآية عند الجمهور: أنهم أحياء حياة محققة. ثم اختلفوا: فمنهم مَن قال: إنها تُرد إليهم أرواحهم فى قبورهم فيتنعمون. وقال مجاهد: يُرزقون من ثمر الجنة، أي يجدون ريحها وليسوا فيها. وذهب مَن عدا الجمهور إلى أنها حياة مجازية، والمعنى: أنهم فى حكم الله مستحقون للنعم فى الجنة، والصحيح الأول، ولا موجب للمصير إلى المجاز، وقد وردت السُّنَّة المطهَّرة بأن أرواحهم في أجواف طيور خضر، وأنهم فى الجنة يُرزقون ويأكلون ويتمتعوْن".
* *
[التوسل]
ولكنه مع هذه الموافقة للجمهور، نراه يقف من مسألة التوسل بالأنبياء والأولياء موقف المعارضة، ويفيض فى الإنكار على مَن يفعل ذلك فى سورة يونس عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٤٩] : {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله} ... يقول ما نصه: " ... وفى هذا أعظم واعظ، وأبلغ زاجر لمن صار دينه وهجيراه المناداة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستغاثة به عند نزول النوازل التى لا يقدر على دفعها إلا الله سبحانه، وكذلك مَن صار يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه، فإن هذا مقام رب العالمين، الذى خلق الأنبياء والصالحين وجميع المخلوقين، ورزقهم وأحياهم ويميتهم، فكيف يُطلب من نبى من الأنبياء، أو مَلَك من الملائكة، أو صالح من الصالحين، ما هو عاجز عنه غير قادر عليه ويترك الطلب لرب الأرباب، القادر على كل شىء، الخالق الرازق، المعطى المانع، وحسبك بما فى هذه الآية موعظة، فإن هذا سيد ولد آدم، وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقول لعباده:{لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً} ، فكيف يملكه لغيره؟ وكيف يملكه غيره ممن رتبته دون رتبته، ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته لنفسه فضلاً عن أن يملكه لغيره؟ فيا عجبا لقوم يعكفون على قبور الأموات