الذين صاروا تحت أطباق الثرى، ويطلبون منهم من الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عَزَّ وجَلَّ. كيف لا يتيقظون لما وقعوا فيه من الشرك، ولا يتنبهون لما حلَّ بهم من المخالفة لمعنى "لا إله إلا الله" ومدلول: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} . [الاخلاص: ١] .
"وأعجب من هذا، اطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى، بل إلى ما هو أشد منها، فإن أُولئك يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق الرازق، المحيي المميت، الضار النافع، وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله، ومقرِّبين لهم إليه، وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر والنفع، وينادونهم تارة على الاستقلال، وتارة مع ذى الجلال، وكفاك من شر سماعه، والله ناصر دينه، ومُطهِّر شريعته من أوضار الشرك، وأدناس الكفر. ولقد توسل الشيطان - أخزاه الله - بهذه الذريعة إلى ما تقر به عينه، وينثلج به صدره، من كفر كثير من هذه الأُمة المباركة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!! إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون".
* *
[موقفه من المتشابه]
ثم إن المؤلف - كما قلنا فى ترجمته - سَلَفى العقيدة، فكل ما ورد فى القرآن من ألفاظ توهم التشبيه حملها على ظاهرها، وفوَّض الكيف إلى الله، ولهذا نراه مثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٢٥٥] من سورة البقرة: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض} . يقول:"الكرسى: الظاهر أنه الجسم الذى وردت الآثار بصفته كما سيأتى بيان ذلك. وقد نفى وجوده جماعة من المعتزلة، وأخطأوا فى ذلك خطئاً بيِّناً، وغلطوا غلطاً فاحشاً، وقال بعض السَلَف: إن الكرسى هنا عبارة عن العلم، ومنه قول الشاعر:
تحف بهم بيض الوجوه وعصبة ... كراسى بالأخبار حين تنوب
ورجَّح هذا القول ابن جرير. وقيل: كرسيه: قدرته التي يمسك بها السموات والأرض، كما يقال: اجعل لهذا الحائط كرسياً ... أى ما يعمده. وقيل: إن الكرسى هو العرش، وقيل: هو تصوير لعظمته ولا حقيقة له. وقيل: هو عبارة عن الملك. والحق القول الأول. ولا وجه للعدول عن المعنى الحقيقى إلى مجرد خيالات وضلالات".
وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٥٤] من سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش} ... الآية، يقول ما نصه: "قد اختلف العلماء فى معنى هذا على أربعة عشر قولاً، وأحقها وأولاها