والثانى: ما يكون أصل انفجاره من الموجودات: جزئيها أو كليها، ويتبعه الاعتبار فى القرآن.
فإن كان الأول.. فذلك الاعتبار صحيح، وهو معتبر فى فهم باطن القرآن من غير أشكال، لأن فهم القرآن إنما يرد على القلوب على وفق ما نزل له القرآن، وهو الهداية التامة على ما يليق بكل واحد من المكلَّفين، وبحسب التكاليف وأحوالها، لا بإطلاق، وإذا كانت كذلك فالمشى على طريقها مشى على الصراط المستقيم، ولأن الاعتبار القرآنى قلًَّما يجده إلا مَن كان من أهله عملاً به على تقليد أو اجتهاد، فلا يخرجون عند الاعتبار فيه عن حدوده، كما لم يخرجوا فى العمل به والتخلق بأخلاقه عن حدوده، بل تنفتح لهم أبواب الفهم فيه على توازى أحكامه، ويلزمه من ذلك أن يكون معتداً به لجريانه على مجاريه. والشاهد على ذلك ما نُقل من فهم السَلَف الصالح فيه، فإنه كله جار على ما تقضى به العربية، وما تدل عليه الأدلة الشرعية.
إن كان الثانى.. فالتوقف عن اعتباره فى فهم باطن القرآن لازم، وأخذه على إطلاقه فيه ممتنع، لأنه بخلاف الأول، فلا يصح القول باعتباره فى فهم القرآن، فنقول:
إن تلك الأنظار الباطنة فى القرآن فى الآيات المذكورة - يريد:{والجار ذِي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل} وما ذكره معها - مما تقدم لنا ذكره - إذا لم يظهر جريانها على مقتضى الشروط المتقدمة فهى راجعة إلى الاعتبار غير القرآنى وهو الوجودى ويصح تنزيله على معانى القرآن لأنه وجودى أيضاً. فهو مشترك من تلك الجهة غير خاص، فلا يطالب فيه المعتبر بشاهد موافق إلا ما يطلبه المربى، وهو أمر خاص، منفرد بنفسه، لا يختص بهذا الموضع. فلذلك يُوقف على محله، فكون القلب جاراً ذا قُربى، والجار الجُنُب هو النفس الطبيعى.. إلى سائر ما ذكر، يصح تنزيله اعتبارياً مطلقاً، فإن مقابلة الوجود بعضه ببعض فى هذا النمط صحيح وسهل جداً عند أربابه، غير أنه مغرر بمن ليس براسخ أو داخل تحت إيالة راسخ.