وراح ينحى باللائمة على مَن يقطع بأن القرآن قديم أو مخلوق، فعندما تعرَّض لتفسير قوله تعالى فى الآية [٢] من سورة الأنبياء: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يقول ما نصه: " ... وقد استدل بوصف الذكّر بكونه مُحْدثاً على أن القرآن محدَث، لأن الذكر هنا هو القرآن، وأجيب بأنه لا نزاع فى حدوث المركب من الأصوات والحروف، لأنه متجدد فى النزول، فالمعنى: محدث تنزيله "وإنما النزاع فى الكلام النفسى. وهذه المسألة - أعنى قدم القرآن وحدوثه - قد ابتلى بها كثير من أهل العلم ... ولقد أصاب أئمة السُّنَّة بامتناعهم من الإجابة إلى القول بخلق القرآن وحدوثه، وحفظ الله بهم أُمة نبيه عن الابتداع، ولكنهم - رحمهم الله - جاوزوا ذلك إلى القول بِقدَمه، ولم يقتصروا على ذلك حتى كفَّروا من قال بالحدوث، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من قال: لفظى بالقرآن مخلوق، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير مَن وقف، وليتهم لم يجاوزوا حد الوقف، وإرجاع العلم إلى علام الغيوب، فإنه لم يُسمع من السَلَف الصالح من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم إلى وقت قيام المحنة وظهور القول فى هذه المسألة شىء من الكلام، ولا تُنقل عنهم كلمة فى ذلك، فكان الامتناع من الإجابة إلى ما دعوا إليه، والتمسك بأذيال الوقف، وإرجاع علم ذلك إلى عالمه. هو الطريقة المثلى، وفيه السلامة والخلوص من تكفير طوائف من عباد الله، والأمر لله سبحانه".
هذا هو أهم ما فى تفسير الشوكانى من البحوث التى أعطى فيها لنفسه حرية واسعة. خوَّلت له أن يسخر من عقول العامة، وأن يهزأ من تعاليم المعتزلة، وأن يُندَّد ببعض مواقف أهل السُّنَّة. وأحسب أن الرجل قد دخله شىء من الغرور العلمى، فراح يوجه لومه لهؤلاء وهؤلاء، وليته وقف منهم جميعاً موقف الحاكم النزيه، والناقد العف ... وعلى الجملة، فالكتاب له قيمته ومكانته، وإن كان لا يعطينا الصورة الواضحة للتفسير عند الإمامية الزيدية، ونرجو أن نوفق إلى العثور على بعض ما لهم فى التفسير، وأحسب أنه كثير. والكتاب مطبوع فى خمس مجلدات، ومتداوَل بين أهل العلم.