للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمام فخر الدين رحمه الله فى مواضع كثيرة، ونحن نذكر بعضها.. إلخ".

وهذه العبارة تدل على أن الإمام فخر الدين، لم يصل فى تفسيره إلى هذه السورة.

كما وجدتُ عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٦] من سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة} .. الآية، أنه تعرَّض لموضوع النيَّة فى الوضوء. واستشهد على اشتراط النيَّة فيه بقوله تعالى فى الآية [٥] من سورة البينة: {وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} .. وبيَّن أن الإخلاص عبارة عن النيَّة، ثم قال: "وقد حققنا الكلام فى هذا الدليل فى تفسير قوله تعالى: {وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} فليُرجع إليه فى طلب زيادة الإتقان".

وهذه العبارة تُشعر بأن الفخر الرازى فسَّر سورة البيِّنة، أى أنه وصل إليها فى تفسيره، وهذا طبعاً بحسب ظاهر العبارة المجرد عن كل شئ.

والذى أستطيع أن أقوله كحل لهذا الاضطراب: هو أن الإمام فخر الدين، كتب تفسيره هذا إلى سورة الأنبياء، فأتى بعده شهاب الدين الخويى، فشرع فى تكملة هذا التفسير ولكنه لم يتمه، فأتى بعده نجم الدين القمولى فأكمل ما بقى منه. كما يجوز أن يكون الخويى أكمله إلى النهاية، والقمولى كتب تكملة أخرى غير التى كتبها الخويى، وهذا هو الظاهر من عبارة صاحب كشف الظنون.

وأما إحالة الفخر على ما كتبه فى سورة البيِّنة، فهذا ليس بصريح فى أنه وصل إليها فى تفسيره، إذ لعله كتب تفسيراً مستقلاً لسورة البيِّنة، أو لهذه الآية وحدها، فهو يشير إلى ما كتب فيها ويحيل عليه.

أقول هذا، وأعتقد أنه ليس حلاً حاسماً لهذا الاضطراب، وإنما هو توفيق يقول على الظن يُخطئ ويُصيب.

ثم إن القارئ فى هذا التفسير، لا يكاد يلحظ فيه تفاوتاً فى المنهج والمسلك، بل يجرى الكتاب من أوله إلى آخره على نمط واحد، وطريقة واحدة، تجعل الناظر فيه لا يستطيع أن يُميِّز بين الأصل والتكملة، ولا يتمكن من الوقوف على حقيقة المقدار الذى كتبه الفخر، والمقدار الذى كتبه صاحب التكملة.

هذا.. وإن تفسير الفخر الرازى ليحظى بشهرة واسعة بين العلماء، وذلك لأنه يمتاز عن غيره من كتب التفسير، بالأبحاث الفيَّاضة الواسعة، فى نواح شتَّى من العلم،

<<  <  ج: ص:  >  >>