بها البيضاوى فرواها وتابع الزمخشرى فى ذكرها عند آخر تفسيره لكل سورة، مع ما له من مكانة علمية، وسيأتى اعتذار بعض الناس عنه فى ذلك، وإن كان اعتذاراً ضعيفاً، لا يكتفى لتبرير هذا العمل الذى لا يليق بعالم كالبيضاوى له قيمته ومكانته.
وكذلك استمد البيضاوى تفسيره من التفسير الكبير المسمى بمفاتيح الغيب للفخر الرازى، ومن تفسير الراغب الأصفهانى، وضم لذلك بعض الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، كما أنه أعمل فيه عقله، فضمنه نكتاً بارعة، ولطائف رائعة، واستنباطات دقيقة، كل هذا فى أسلوب رائع موجز، وعبارة تدُق أحياناً وتخفى إلا على ذى بصيرة ثاقبة، وفطنة نيِّرة. وهو يهتم أحياناً بذكر القراءت، ولكنه لا يلتزم المتواتر منها فيذكر الشاذ، كما أنه يعرض للصناعة النحوية، ولكن بدون توسع واستفاضة، كما أنه يتعرض عند آيات الأحكام لبعض المسائل الفقهية بدون توسع منه فى ذلك، وإن كان يظهر لنا أنه يميل غالباً لتأييد مذهبه وترويجه، فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٢٢٨] من سورة البقرة: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء} .. يقول ما نصه: وقُروء جمع قُرء، وهو يُطلق للحيض كقوله عليه الصلاة والسلام:"دَعِى الصلاة أيام أقرائك" وللطُهر الفاصل بين الحيضتين، كقول الأعشى:
مورثة مالاً وفى الحى رفعة ... لما ضاع فيها من قُروء نسائكما
وأصله الانتقال من الطُهر إلى الحيض، وهو المراد فى الآية، لأنه الدال على براءة الرحم لا الحيض كما قاله الحنفية، لقوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: ١] أى وقت عدّتهن، والطلاق المشروع لا يكون فى الحيض. وأما قوله عليه الصلاة والسلام:"طلاق الأمَة تطليقتان وعدِتَّها حيضتان"، فلا يُقاوِم ما رواه الشيخان فى قصة ابن عمر:"مُرْهُ فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلّق قبل أن يمس، فتلك العِدَّة التى أمر الله تعالى أن تُطَلَّق لها النساء" ... إلخ.
كذلك نجد البيضاوى كثيراً ما يقرر مذهب أهل السُّنَّة ومذهب المعتزلة، عندما يعرض لتفسير آية لها صلة بنقطة من نقط النزاع بينهم.
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآيتين [٢] و [٣] من سورة البقرة: {ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} نراه يعرض لبيان معنى الإيمان والنفاق عند أهل السُّنَّة والمعتزلة والخوراج. بتوسع ظاهر، وترجيح منه لمذهب أهل السُّنَّة.