الأستار أخرى عن أسرار المعقولات بيد الحكمة ولسانها. وترجمان المناطقة وميزانها، فحل ما أشْكَلَ على الآنام، وذلَّل لهم صِعاب المرام، وأورد فى المباحث الدقيقة ما يُؤْمَنُ به عن الشُبَه المضلة، وأوضح لهم مناهج الأدلة. والذى ذكره من وجوه التفسير ثانياً أو ثالثاً أو رابعاً بلفظ "قيل"، فهو ضعيف ضعف المرجوح أو ضعف المردود.
وأما الوجه الذى تفرَّد فيه، وظن بعضهم أنه مما لا ينبغى أن يكون من الوجوه التفسيرية السُّنِّية، كقوله: وحمل الملائكة العرش وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له، ونحوه، فهو ظن من لعله يقصر فهمه عن تصور مبانيه، ولا يبلغ علمه إلى الإحاطة بما فيه، فمَن اعترض بمثله على كلامه كأنه ينصب الحبالة للعنقاء، ويروم أن يقنص نسر السماء، لأنه مالك زمام العلوم الدينية، والفنون اليقينية، على مذهب أهل السُّنَّة والجماعة. وقد اعترفوا له قاطبة بالفضل المطلق، وسلَّموا إليه قصب السبق، فكان تفسيره يحتوى فنوناً من العلم وعرة المسالك، وأنواعاً من القواعد المختلفة الطرائق، وقلّ من برز فى فن إلا وصدَّه عن سواه وشغله، والمرء عده لما جهله، فلا يصل إلى مرامه إلا من نظر إليه بعين فكره، وأعمى عين هواه، واستعبد نفسه فى طاعة مولاه، حتى يسلم من الغلط والزلل، ويقتدر على رد السفسطة والجدل.
وأما أكثر الأحاديث التى أوردها فى أواخر السور، فإنه لكونه ممن صفت مرآة قلبه، وتعرّض لنفحات ربه، تسامح فيه، وأعرض عن أسباب التجريح والتعديل، ونحا نحو الترغيب والتأويل، عالماً بأنها مما فاه صاحبه بزور، ودلَّى بغرور.
ثم إن هذا الكتاب رُزِق من عند الله سبحانه وتعالى بحسن القبول عند جمهور الأفاضل والفحولَ، فعكفوا عليه بالدرس والتحشية، فمنهم من علَّق تعليقة على سورة منه، ومنهم مَن حشى تحشية تامة، ومنهم من كتب على بعض مواضع منه".. ثم عَدَّ من هذه الحواشى ما يزيد عدده على الأربعين، ولا أطيل بذكرها، ومَن شاء الاطلاع على ذلك فليرجع إليه فى موضعه الذى أشرتْ إليه، وحسبى أن أقول: إن أشهر هذه الحواشى وأكثرها تداولاً ونفعاً: حاشية قاضى زاده، وحاشية الشهاب الخفاجى، وحاشية القونوى.