للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقفه من الزمخشرى والفخر الرازى:

وهو إذ يختصر كلام الفخر الرازى، أو يقتبس من تفسير الكشاف أو غيره، لا يقف عند النص وقوف مَنْ يجمد عند النصوص ويرى أنها ضربة لازب عليه فلا يعترض ولا يتصرف، بل نجده حراً فى تفكيره، متصرفاً فيما يختصر أو يقتبس، فإن وجد فساداً نَبَّه عليه وأصلحه، وإن رأى نقصاً تداركه فأتمه وأكمله.

وكثيراً ما نجده ينقل عن الكشاف فيقول: قال فى الكشاف كذا وكذا، أو قال جار الله كذا وكذا، وقد ينقل ما ذكره صاحب الكشاف وما اعترض به عليه الفخر الرازى ثم ينصب نفسه حَكَماً بين الإمامين، ويبدى رأيه على حسب ما يظهر له.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٦٧] من سورة الزمر: {والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة} .. يقول ما نصه: "قال جار الله: الغرض من هذا الكلام - إذا أخذته كما هو بجملته - تصوير عظمته، والتوقيف على كنه جلاله، من غير ذهاب بالقبضة واليمين إلى جهة حقيقة أو إلى جهة مجاز، وكذلك حكم ما يُروى عن عبد الله بن مسعود: أن رجلاً من أهل الكتاب جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم؛ إن الله يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً مما قال، وأنزل الله الآية تصديقاً له. قال جار الله: وإنما ضحك أفصح العرب وتعجب لأنه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان من غير تصور إمساك، ولا إصبع، ولا هز، ولا شئ من ذلك، ولكن فهمه وقع أول شئ وآخره على الزُبْدة والخلاصة، التى هى الدلالة على القدرة الباهرة. وأن الأفعال العظام التى لا تكتنهها الأوهام هيِّنة عليه.. ثم ذكر كلاماً آخر طويلاً، واعترض عليه الإمام فخر الدين الرازى: بأن هذا الكلام الطويل لا طائل تحته، لأنه هل يسلم أن الأصل فى الكلام حمله على حقيقته أم لا؟ وعلى الثانى يلزم خروج القرآن بكليته عن كونه حُجَّة، فإن الكل أحد حينئذ أن يؤول الآية بما يشاء، وعلى الأول - وهو الذى عليه الجمهور - يلزم بيان أنه لا يمكن حمل اللفظ الفلانى على معناه الحقيقى لتعين المصير إلى التأويل، ثم إن كان هناك مجازان وجب إقامة الدليل على تعيين أحدهما، ففى هذه الصورة لا شك أن لفظ القبضة واليمين مشعر بهذه الجوارح، إلا أن الدلائل العقلية قامت على امتناع الأعضاء والجوارح لله تعالى، فوجب المصير إلى التأويل صوناً للنص عن التعطيل، ولا تأويل إلا أن يُقال: المراد كونها تحت تدبيره وتسخيره، كما يقال: فلان فى قبضة فلان. وقال تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ويقال: هذه الدار فى يد فلان ويمينه، وفلان صاحب اليد.

<<  <  ج: ص:  >  >>